في أي سياق تكتيكي واستراتيجي تدخل معركة القلمون التي بدأت قبل ساعات نذرها الاولى في الميدان الجردي المرتبط بسلسلة لبنان الشرقية؟ واستطرادا، اي انعكاسات لهذه المعركة التي طال انتظارها واستطال الحديث عنها على توازنات الداخل اللبناني ومعادلاته الهشة والدقيقة؟ وما يضفي على هذ السؤال اشكالية اكبر هو ان خصوم “حزب الله” استنفروا في الساعات والايام القليلة الماضية قواهم وامكاناتهم السياسية والاعلامية للتحذير من تداعيات هذه المعركة الموعودة على مجريات الداخل باعتبارها مزيدا من التوريط للبنان في صراعات سوريا والاقليم عموما.
صحيح ان الكلام على حتمية حصول معركة القلمون انطلق منذ اشهر عدة، لكن توقيت فتح ابواب المنازلة الحاسمة ليس امرا عابرا، فوفق مصادر على صلة بـ”حزب الله” ان لتوقيت انطلاق المعركة صلة وثقى بالبعد الاستراتيجي للمواجهة المصيرية التي يخوض غمارها محور المقاومة في الساحات الثلاث المتصلة اي اليمن والعراق وسوريا.
فهذا المحور عاش طوال الاسابيع الثلاثة الاخيرة تحت وطأة حرب اعلامية – نفسية قاسية عنوانها العريض ان ثمة انهيارات عسكرية دراماتيكية حلّت تباعا بأضلاع هذا المحور في الساحات الثلاث، وتجسدت ذروة هذه الانهيارات في الساحة السورية لاسيما بعد سقوط مدينة جسر الشغور على مسافة ايام من سقوط ادلب مما احدث ارتباكا وبلبلة في داخل هذه الساحة اضطر معها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى مخاطبة جمهور هذه الساحة مباشرة بغية تهدئة روعه واعادة ضخ عنصر الاطمئنان في نفسه، لاسيما بعدما بادر معسكر الخصم الى التوعد بقرب اسقاط الساحل السوري نفسه وبالعودة الى نغمة اسقاط دمشق نفسها.
وسط هذه المناخات الحالكة ووقت كانت هجمة الجيش العراقي قد انكسرت نسبيا على حدود الانبار، وفي حين كان الحوثيون في اليمن في وضع العاجز عن رد حاسم، أتت معركة القلمون كحاجة ملحة من جهة ولتكون متناغمة مع تقدم للجيش السوري في سهل الغاب، وفي ظل الحديث عن اشتباكات حدودية في اليمن، لتكون بمثابة رسالة من اركان المحور اياه تقول ان هذا المحور بعدما امتص تداعيات الهجمة الشرسة عليه انتقل الى مرحلة جديدة عنوانها استعادة زمام المبادرة ميدانيا وسياسيا ومعنويا.
وبحسب المصادر عينها فان القيادة المشتركة لـ”عملية تحرير القلمون” وضعت نصب اعينها لبلوغ هدفها الاسمى جملة معطيات ووقائع ميدانية – سياسية ستكون بالنسبة اليها خريطة طريق، ابرزها:
– اعتماد ضربات موضعية سريعة وصاعقة هدفها احداث انهيارات في صفوف العدو خصوصا ان هذا العدو، تعرض لضغوط متلاحقة خلال الاشهر الماضية.
– تنفيذ عملية قضم تدريجي لجغرافيا محددة تخضع لسيطرة المجموعات المسلحة.
– ان تتزامن الحملة على القلمون مع هجمات في ميادين اخرى في الداخل السوري وخصوصا في ريفي ادلب ودمشق.
– لا تسقط هذه القيادة من حساباتها ان الحملة لـ”تحرير” القلمون ليست بالضرورة قصيرة زمنيا وليست بالضرورة سهلة، لكن القرار بـ”تحريرها” مأخوذ ولا عودة عنه اطلاقا وأياً يكن الثمن.
– لا تخفي المصادر اياها انه جرت في السابق عملية جس نبض للمسلحين لتأمين طريق خروج آمن لهم من المنطقة باتجاه الداخل السوري، لكنها لم تسفر عن نتيجة وان كانت المجموعات المسلحة اخذت وقتا للتفكير في عرض الانسحاب.
وفي الوقت عينه لا تخفي المصادر نفسها ايضاً ان ثمة انعكاسات وارتدادات لحملة القلمون على الوضع اللبناني، وهي ذات شقين عسكري وسياسي.
في الشق الاول فان المصادر عينها لا تنفي ان الوضع بعد “تحرير” القلمون سيكون غير ما قبله، فـ”التحرير” ان انجز كما هو مقدر له، معناه ابتعاد خطر داهم ومتربص بالساحة الداخلية، ومعناه ايضا إضعاف كل الاوراق السياسية لمعسكر الخصم. وعليه فان المصادر عينها لم تفاجأ بعمليات التحذير والتهديد التي بادر اليها عناصر هذا المعسكر للحيلولة دون المضي قدما في عملية القلمون ولكنها كانت منذ البداية على يقين من امرين:
الاول، انها مجرد عمليات تهويل وتضخيم تشبه الى حد بعيد مناخات التهويل التي سبقت انخراط “حزب الله” في الميدان السوري وعشية تحرير القصير في الريف الحمصي.
الثاني، ان لا رجعة اطلاقا عن استكمال العملية، فهي معركة قدر وليست خيارا، وهي استطرادا كما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، معركة ارض ووطن، اي انها توازي من حيث الاهمية والقيمة والمعنى عملية تحرير الارض التي يحتلها الاعداء، وهو تعبير بليغ كونه أتى من شخصية مثل الرئيس بري نأت بنفسها منذ البداية عن الانخراط في مواجهات الميدان السوري.
اما عن الارتدادات السياسية المتوقعة لهذه الحملة، فان “حزب الله” يتصرف على اساس انها لن تغير في واقع لحال المألوف منذ فترة شيئا اساسيا.
ولا يبدو ان الحزب يتعامل بجدية مع تهديد البعض تصريحا وتلويحا بأن العملية ستطيح حواره مع “تيار المستقبل” الذي يلتئم في رحاب عين التينة، خصوصا ان التيار تبلغ سلفا أمر الهجوم على القلمون وذلك خلال جلسة الحوار الاخيرة، وكان الحزب صريحا في الاعلان عن عزمه على بدء الحملة وقد اتى ذلك على لسان امينه العام الذي اكد حتمية حصول المعركة، لافتا الى ان الموعد يتحدد وفق مقتضيات الميدان وحساباته وليس اي شيء آخر.
وفي كل الاحوال يبدو ان الحزب على يقين من ان انعكاسات نتائج المعركة تصب في حسابات المواجهة في سوريا والاقليم عموما اكثر من اي حسابات اخرى.