كلام عن توافق على تجاوز التناقض بين تحييد لبنان وانخراط «حزب الله» بالقتال في سوريا
هل يمكن أن يستفيق اللبنانيون على خبر لقاء الحريري – نصر الله؟
بري لا يمكن أن يسبح خارج الحُكم ويرفع سقف المعارضة لمكاسب في الوزارات والتعيينات
رغم أن التجارب السابقة لانتخابات رئاسة الجمهورية أظهرت أن مرشحين ناموا على لقب فخامة الرئيس واستفاقوا على مفاجآت، لا يُسقط البعض احتمال تكرارها في جلسة انتخاب الرئيس العتيد في الحادي والثلاثين من تشرين الأول، إلا أن مسار تطورات الاستحقاق الرئاسي في أيامه الأخيرة تشي بأن ما كُتب قد كُتب، وأن العماد ميشال عون سيخرج من ساحة النجمة حاملاً لقب «فخامة الرئيس»، محققاً حلماً راوده منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكان ثمن انكساره باهظاً على المسيحيين وعلى لبنان.
لم يعد النقاش اليوم يدور حول الرئيس. فيوم الاثنين المقبل سيُؤرّخ لنهاية الشغور الرئاسي وبدء مرحلة سياسية جديدة مصحوبة بتفاؤل في أن تُشكّل نهاية للأزمة التي آلت إلى وضع البلاد على مفترق طرق يُهدّد وحدته وعيشه المشترك، والأهم كيانية الدولة والنظام.
لكن هذا التفاؤل، وإنْ كان مشروعاً لعهد جديد يُفترض أن تحمل انطلاقته ثقة وآمالاً وأحلاماً كبيرة بالنجاح، مع شعور المكوّن المسيحي بأن انتخاب عون يُشكّل استعادة فعلية لدور المسيحيين في القرار والشراكة بعد مرحلة طويلة من الإقصاء والتهميش والوجود الشكلي، فإن التعقيدات في المشهد السياسي الداخلي وانعكاسات تطورات ما يحدث في المنطقة عليه، تدفع بكثير من المراقبين إلى الحذر في مقاربة ما ستكون عليه تلك المرحلة الجديدة. فانتخاب الرئيس لا يكفي إلى نهاية حتمية للأزمة. إنه في حده الأدنى، انتقال إلى إدارة للأزمة الراهنة، لكنه مقرون بآفاق مفتوحة للتحّول من إدارة الأزمة إلى بداية بحث جديّ عن حلول لها. وهنا يكمن التحدّي، ذلك أن وصول الجنرال إلى بعبدا يأتي على وقع انقسام ضمن تحالف «8 آذار» الذي كان يُفترض أن يشكل دعامة له، فإذا به يتحوّل إلى معارضة موصوفة وقوية تقودها كتل تدور في الفلك السوري، وفي مقدمها أحد قطبي «الثنائية الشيعية» رئيس مجلس النواب نبيه بري والمرشح سليمان فرنجية و«البعث»، و«القومي» وطلال أرسلان إذا لم يُعدّلا في موقفهما، فضلاً عن بعض النواب المستقلين وآخرين لهم اعتباراتهم الخاصة. وهي معارضة ليس واضحاً بعد المسار الذي ستسلكه في مرحلة ما بعد الانتخاب، والذي على أساسه يمكن تبيان الملامح التي ستطبع المرحلة التالية.
فالرئاسة المحسوم أمرها عملياً ستليها خطوة تكليف الرئيس سعد الحريري لتولي الحكومة الأولى للعهد التي هي محسومة بدورها، لكن التحدّيات الكبرى ستبدأ منذ لحظة التكليف، على ضوء ما ستكون قد أفرزته الاستشارات النيابية الملزمة من حجم الأصوات المُجيّرة للحريري في التكليف وفرز للكتل النيابية بين مؤيد ومعارض له. وإذا كانت استدارة الحريري نحو تبنّي ترشيح عون قد أفضت إلى انتكاسة في العلاقة مع بري، الذي كان يراهن على تمسك زعيم «المستقبل» بتبني فرنجية لقطع الطريق على عون، وليس على تضامن شريكه في «الثنائية الشيعية» معه، فإن مستلزمات نجاح انطلاقة عون في عهده الرئاسي والحريري في حكومته تحتاج إلى جهد مشترك من أجل خرق جدار بري، الذي يرى مراقبون أنه بصَدّه الأبواب أمام تسهيل مجيء عون بتوافق شامل، وإشهار غصبه في وجه ما أسماه «طعنة الحريري»، قد رفع من سقف الثمن المطلوب دفعه له، سواء على مستوى الحقائب الوزارية أو التعيينات، إذا كان ثنائي عون – الحريري يريد منه أن يكون في صفوف الموالاة لا المعارضة، على الرغم من الاقتناع السائد بأن بري لا يمكنه إلا أن يسبح في بحر الحُكم، وهذا ما طبع مسار حياته السياسية منذ أن أضحى جزءاً من التركيبة الحاكمة في البلاد. ولعل الحاجة هنا تبرز أكثر لدى الحريري الذي يحتاج إلى تسميته من قِبَل كتلة بري تأميناً للبعد الميثاقي، ذلك أن ثمة شكوكاً في أن تذهب «تضحيات حزب الله» بقبول وجود الحريري في سدّة الرئاسة الثالثة إلى حدود تسميته من قبل تكتل «الوفاء للمقاومة»، إذ أن الحزب قد يكون محرجاً في ذلك أمام بيئته، وليس في مصلحته أن يأتي تكليف الحريري بأصوات وازنة، ولا سيما أن حليفه عون سيُجيّر حكماً أصوات كتلته للحريري في إطار الاتفاق الذي آل إلى وصوله إلى سدّة الحكم.
غير أن رهان العهد الجديد على إحداث صدمة إيجابية تُعيد إنعاش البلد وإحياء الثقة به، لا يمكن أن يتحقق من دون قرار بتسهيل عملية تأليف الحكومة لتبصر النور بسرعة تسمح الاستفادة من زخم انطلاقة العهد لتحقيق إنجازات على المستوى الاقتصادي والمعيشي يمكن للمواطن أن يلمسها، الأمر الذي يضع الرئيس العتيد أمام مخاطر تلاشي الصدمة الإيجابية إذا اصطدمت عملية التأليف بالعراقيل والعُقد والعقبات. وهي عراقيل لا ترتبط بوجود خلافات وتباينات حادة في المنطلقات والثوابت السياسية والاقتصادية للحكومة الأولى وحتى تلك التي ستليها، بل بحسابات تقاسم الحصص في السلطة، ذلك أن الحريري كان واضحاً بأن الاتفاق مع الرئيس الجديد يشمل الحفاظ على الدولة والنظام، وعدم طرح أي تعديل على النظام قبل إجماع وطني من كل اللبنانيين عليه، بما يعني الحفاظ على دستور الطائف، حيث أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربيّ الهوية والانتماء، وأنّ كل اللبنانيين يرفضون التجزئة والتقسيم والتوطين. والأهم الاتفاق على تحييد الدولة اللبنانية بالكامل عن الأزمة في سوريا، والعودة إلى علاقات طبيعية معها متى اتّفق السوريون على نظامهم وبلدهم ودولتهم. وهي نقطة لا يمكن أن يكون قد تمّ الاتفاق عليها بمعزل عن موافقة «حزب الله»، نظراً لارتباطها بالسياسة الخارجية للعهد الجديد، والتي يعتبر الحزب أن ملفيّ السياسة الخارجية والأمن يشكلان جزءاً من مشروعه الاستراتيجي في المنطقة، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن «توافقاً ما» قد حصل على كيفية تجاوز التناقض القائم بين تحييد لبنان عن تداعيات الأزمة السورية وانخراط «حزب الله» في القتال في سوريا.
ثمة من يذهب إلى الجزم بأن الانتقال بالبلاد من واقع إدارة الأزمة إلى البحث في إيجاد حلول جدّية مبنية على قواسم مشتركة تشكل أرضية صالحة لتثبيت الاستقرار في البلاد وإعادة إطلاق عجلة الدولة والمؤسسات لا يمكن أن يتحقق من دون إحداث اختراق جريء في جدار العلاقة بين زعيم «المستقبل» وأمين عام «حزب الله»، فهل يمكن أن يستفيق اللبنانيون على خبر لقاء الحريري – نصر الله؟ وما هي تداعياته وأثمانه؟!