Site icon IMLebanon

هل يُعقل أن تكون كلمة إيران في “الرئاسة” أعلى من كلمة أي دولة صديقة وشقيقة؟

هل يعقل أن تكون كلمة إيران في الانتخابات الرئاسية فوق كلمة كل دولة شقيقة وصديقة للبنان، ولا يكون لأي منها، ولا سيما أميركا وروسيا، قدرة التأثير عليها لفصل أزمة انتخاب الرئيس عن أي أزمة في المنطقة ولا تظل مصرّة على ربطها بها حتى وإن استمر لبنان يعاني سياسياً وأمنياً واقتصادياً من جرّاء استمرار الشغور الرئاسي إلى أجل غير معروف، وهذا ما جعل البطريرك الكاردينال الراعي يقول في عظته لمناسبة عيد مار مارون: “إن لبنان في حاجة إلى رجال دولة حقيقيين”، وان يقول راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر في عظته في المناسبة ذاتها: “ان كرامتنا الوطنية تحتّم علينا ألا نربط هذا الاستحقاق بأي موقف أو بأي موقع أو بأية إرادة خارج حدود لبنان”.

الواقع أن الدول الشقيقة والصديقة لو أنها كانت تريد فعلاً رئيساً للبنان لما كان في مقدور إيران وحدها الحؤول دون ذلك أيّاً تكن الغايات والاهداف بما فيها إقامة جمهورية جديدة ووضع نظام ودستور جديدين لها يكونان أكثر إنصافاً في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث.

إن ربط حل أزمة الانتخابات الرئاسيّة بحل أزمات دول المنطقة ربما يعود إلى أن لدى الدول الكبرى رغبة في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، إمّا بتقاسم النفوذ وإمّا بتقسيمها إذا تعذّر الاتفاق على التقاسم، وهل يكون لبنان من ضمن هذه الخريطة التي تُرسم أم يبقى خارجها؟ الجواب عن هذا السؤال يتوقف على تطوّر الأوضاع في عدد من دول المنطقة، ولا سيما في سوريا، ليأخذ لبنان الشكل الذي تتخذه سوريا تأكيداً لما تكرّر قوله في الماضي عن وحدة المسار والمصير… لذلك لا يمكن منذ الآن معرفة ما إذا كان مصير لبنان سيكون فعلاً من مصير سوريا أو العكس بعد حل الأزمة السورية، وأنه لا بد من الانتظار لانتخاب رئيس للبنان تكون صورته على صورة لبنان الجديد ويكون أهلاً لمثل هذه المرحلة، وإلاّ فإن انتخاب رئيس منذ الآن وقبل معرفة ما سوف تستقر عليه الأوضاع في عدد من دول المنطقة، ولا سيما في سوريا، سوف يجعله رئيساً للبنان كسائر الرؤساء الذين سبقوه، عاجزاً عن اقامة الدولة القوية مع بقاء السلاح خارجها، وعاجزاً عن جعل سلطتها تمتد على كل أراضيها ولا تبقى أي منطقة خارج هذه السلطة، ليصير في الإمكان تطبيق القانون على الجميع ومن دون أي تمييز، وسيف العدالة يطاول كل مرتكب ولا ملاذ له في أي منطقة في لبنان. وانتخاب رئيس في ظل الوضع الراهن يخضعه لسؤال ينقسم المرشحون للرئاسة حوله وهو: هل توافق على بقاء سلاح المقاومة وعلى استخدام هذا السلاح بقرار من الدولة أو من قيادة المقاومة وحدها؟ والانقسام في الاجابة عن هذا السؤال يحول دون الاتفاق على مرشح للرئاسة يكون لديه جواب يرضي كل القوى السياسية الأساسية في البلاد، لأن لبنان لا يزال يواجه اليوم ما كان يواجهه عندما كان خاضعاً للوصاية السورية التي كانت تأتي بالرئيس الذي يجيب عن أسئلتها بما يرضيها مثل سؤال: هل توافق على بقاء القوات السورية في لبنان؟ وكانت الوصاية السورية تمتلك في مجلس النواب اللبناني أكثرية تنتخب الرئيس الذي تريده وكذلك تشكيل الحكومات، في حين أن إيران لا تمتلك هذه الأكثرية بل تمتلك بديلاً منها أكثر ضرراً هو تعطيل انتخاب الرئيس بغية ترك الأبواب مفتوحة على فراغ شامل يذهب بلبنان إلى المجهول… لذلك فإن انتظار ما ستنتهي اليه التطوّرات في المنطقة، ولا سيما في سوريا، يجعل الدول المعنية بوضع لبنان قادرة على اختيار رئيس تكون صورته ملائمة لصورة لبنان الجديد ولا يواجه ما واجهه رؤساء سابقون من عقبات وعراقيل وانقسامات حالت دون قيام الدولة القوية المنشودة، وعلى أمل أن تزيل التطوّرات في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، أسباب وجود سلاح خارج الدولة ليصير في الإمكان اقامة الدولة القوية التي تقع عليها وحدها مسؤولية صد أي عدوان وتحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانيّة التي تحتلها اسرائيل، وليست مسؤولية أي حزب بمفرده ولا أي طائفة بعينها.

وعندما يصبح لبنان في هذا الوضع الجديد، يصير في إمكان الدول الشقيقة والصديقة أن تضع له إطار حياد يجنبه تداعيات صراعات المحاور وارتداداتها عليه، هذا الحياد الذي يضمن استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً دائماً وثابتاً له، ولا يعود ثمة عذر أو حجة لأي حزب أو طائفة في لبنان للخروج على هذا الحياد، كما حصل بالنسبة الى “اعلان بعبدا” والى سياسة “النأي بالنفس”.