بين «حساسية» المسيحيين و«تواطؤ» المسلمين
هل يمكن الاتفاق على آلية وطنية لانتخاب الرئيس؟
أطاح الكلام عن التسوية الرئاسية المنتظرة، كل اهتمام بالازمات السياسية والامنية والاقتصادية التي لا تزال قائمة، وتزداد حدّة. بدا أن المسؤولين قد تناسوا أن مجلس الوزراء معطّل، ومجلس النواب لا يلتئم، النفايات تملأ الطرقات.. والاسواق في زمن الاعياد، وهي ابسط ترجمة للحركة الاقتصادية، تكاد تخلو من الزبائن وحتى من المتفرجين. فجأة انشغل الجميع بالتسوية الرئاسية، اما تسوية شؤون الناس وسياسة قضاياهم فلا من يسأل عنها أو يهتم.
تفتح ملفات وتغلق من خارج اي سياق واي متابعة او محاسبة أو تبيان خواتيمها، والامثلة لا تحصى، ولن يكون آخرها شكوى «الحزب التقدمي الاشتراكي» ضد عبد المنعم يوسف الذي تطول لائحة صفاته الوظيفية. والخوف أن يكون الملف الرئاسي «بازاراً» آخر فيه كل أنواع الالاعيب اللبنانية من المحاصصة الى المحسوبيات والابتزاز والنكايات وأوهام الانتصار، وهو على الارجح كذلك.
جُمّدت التسوية الرئاسية أو فُرملت أو دخلت مرحلة العمل الصامت او انتهت، بحسب رغبات المعنيين وتصاريحهم. لكن السؤال الاهم حول ما سيلي. فاذا تجاوزنا تداعيات كل الموضوع على التحالفات السياسية وعلاقات القوى بعضها ببعض، يبقى السؤال الابرز: اية اسماء تبقى جدية في بورصة المرشحين للرئاسة اللبنانية؟
يجيب أحد السياسيين المستقلين أن «الضجيج الرئاسي الذي طغى على الاجواء السياسية في الاسبوعين الماضيين شرّع باب الاسئلة، طارحا جملة تعقيدات مرتقبة. فاذا اسقطنا امكانية وصول النائب سليمان فرنجية الى قصر بعبدا، فمن المشروع التساؤل عمن يملك الحظوظ الفعلية بالوصول. وربما الاجدى السؤال عن مواصفات الرئيس العتيد. فبسقوط حظوظ فرنجية، ان سقطت فعلا، وجب التفكير بالبدائل».
يعتقد هذا السياسي أن «الموارنة الاقوياء الاربعة اقفلوا الطريق على بعضهم بعضا. لا حظوظ للحلفاء ولا للخصوم في ما بينهم للوصول الى الرئاسة الاولى. فهل من الممكن ان يتفقوا على رئيس من خارج ناديهم؟ من هو؟ وما هي مواصفاته؟. فاذا استندنا الى خطابهم ومواقفهم، وخلفهم بكركي ومواقفها الضمنية، أمكن القول ان لا حظوظ لاي رئيس من خارجهم، كما لا حظوظ لاي رئيس من بينهم. والا لماذا لا يوافقون أو يتفقون على واحد. وقد تأمنت حظوظ وطنية لفرنجية مثلا لم تتوافر لاي منهم. ومع ذلك تشارك الثلاثة الباقون، كل بحسب حجمه وقدراته والتزام حلفائه معه، بتطيير امكانية الاتيان بفرنجية. أما فرص كل من سمير جعجع وميشال عون وأمين الجميّل فلا تبدو واعدة. وما لم يحصل على امتداد فترة الشغور الماضية، لا شيء يوحي بأنه حاصل مستقبلا».
كيف الخروج من هذا النفق اذا؟ من يمكنه أن يحّول التوافق السلبي على الاعتراض على اسم مرشح الى توافق ايجابي على مرشح آخر؟
يجزم السياسي المسيحي المستقل أن «التجربة أكدت بالملموس أن الآلية التي أفرزت أهلية القادة الاربعة وتكريسهم من قبل بكركي، أهل الحل والربط النهائي في الشان الرئاسي، اثبتت فشلها. بالتالي لا بد من أن يتم ابتداع آلية انتخاب وتوافق مسيحي ووطني جديدة. صحيح أن أحدا لا يرضى بانتخاب رئيس جمهورية من دون أوسع موافقة مسيحية. لكن الاكيد ايضا ان انتخابه يجب ان يلقى موافقة اسلامية ليشكل معظم الاطراف حاضنته الوطنية التي منها ينطلق الى اعادة ترميم ما يجب ترميمه في تصدعاتنا الوطنية الكثيرة. ليس الاجماع مطلوبا لا عند المسيحيين ولا عند المسلمين. فالمعارضة في اصغر القضايا كما في اهم الخيارات ضرورة وحيوية من أجل استقامة كل عمل سياسي».
يحمل السياسي نفسه المسلمين «المسؤولية في اظهار تعففهم الشكلي وتواطئهم الفعلي في الشأن الرئاسي، وهي مسؤولية موازية للمسيحيين في انقساماتهم وشخصنة قادتهم وقطعهم الطريق على اي حل. فللمسلمين حصة في رئيس الجمهورية كما يفترض ان يكون للمسيحيين حصة في رئيسي الحكومة والمجلس. بالتالي ليس من الخطأ او المعيب البحث في آلية وطنية تنتج رئيسا بمواصفات وطنية يكون مدخلا لاعادة الحياة الى جمهورية تكاد تلفظ انفاسها الاخيرة».