فك ارتباط لبنان مع الحرب السورية منطلق يؤكّد راهنيته وإلحاحه كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه، خصوصاً بعد إطلاق سراح العسكريين المختطفين على يد «جبهة النصرة» وفي انتظار تحرير العسكريين الآخرين المختطفين على يد تنظيم «داعش».
لا يعني ذلك أبداً أنّه لا يزال من الممكن فك ارتباط لبنان عن الحرب السورية في يوم واحد، ولا أنّ فك الارتباط هذا ينحصر بمستوى تطبيقي واحد هو سحب مقاتلي «حزب الله « من سوريا.
لا يعني فك الارتباط ابتداع جغرافيا وهمية للبنان غير تلك الواقعية التي تجعله ملاصقاً لسوريا. لا يعني التوهم أيضاً بأن المجموعات الجهادية على الأرض السورية لا تشكّل خطراً أمنياً، أو أنّها فقط مجرّد «ردّة فعل»، على الطغيان الفئوي، أو أن هذا الخطر الأمني سيكفّ ويندثر ما أن ينسحب «حزب الله» من سوريا.
فك ارتباط لبنان مع الحرب السورية بات هدفاً أكثر راهنية وإلحاحاً لأنه بالضبط هدف يغادر منطقة الأوهام. فلا فك ارتباط منهجياً من دون رزمة مبادرات وتدبيرات حامية له. التدخل اللبناني الفئوي في الحرب السورية ينبغي إنهاؤه، لكن لإنهائه ينبغي الاتفاق على أنّ الخطر الأمني الذي تشكله المجموعات الجهادية على لبنان تجاوز «تاريخية» الربط بين قتال «حزب الله» على الأرض السورية وبين الاستهدافات الإرهابية المتجاوزة للحدود باتجاه لبنان. سحب مقاتلي الحزب من سوريا لم يعد كبسة زر، وفي المقابل عدم مبادرة الحزب الى تبني هدفية فك الارتباط عن الحرب السورية في اللحظة السياسية الراهنة سيهدر الرصيد المتوفر حالياً من الرجاء بتوليد مسار تسووي سياسي داخلي.
أول ما تدخل الحزب في سوريا كان من الممكن المعادلة مباشرة بين الدعوة لفك الارتباط عن الحرب السورية وبين طلب انسحاب مقاتلي الحزب من سوريا. هذا الانسحاب ضروري لفك الارتباط لكنه لم يعد يختصر منطق فك الارتباط نفسه.
هناك اذاً نقطة لا بد من التوصل اليها على هذا الصعيد لفتح ثغرة في الباب الموصود للشقاق اللبناني بين قسم يرى دوام قتال الحزب في سوريا وبين قسم يرى انسحابه. من دون فتح هذه الثغرة لا يمكن التقدم بجدية لمعالجة قضايا الخلاف الداخلي المتصلة بالشغور والتعطيل الحاصلين في المؤسسات الدستورية، وفي مقدمها الملف الرئاسي.
من دون ثغرة في الجدار من قبيل تحويل مبدأ فك الارتباط عن الحرب السورية الى إجماع وطني جديد، بشكل يتجاوز «مثالية إعلان بعبدا» الى خارطة طريق متكاملة لفك الارتباط، لن يكون بالإمكان التقدّم في معالجة حال الموت السريري للمؤسسات.
تحييد لبنان عن الحرب السورية كما جرى الاتفاق عليه في إعلان بعبدا كان إجماعاً أولاً. التدخل الفئوي المتعاظم في هذه الحرب كان شقاقاً مجتمعياً لبنانياً خطيراً. نحتاج الآن الى عتبة جديدة: مغادرة مثالية الإعلان من ناحية، وتبرير التدخل الفئوي أو المناداة بإنهائه بكبسة زر من ناحية ثانية، الى إقرار بأنه قد حان الوقت ليتمكن لبنان واللبنانيون تدريجياً من فك الارتباط مع الحرب السورية بكافة مندرجاتها، وليس أبداً لتوهم جغرافيا غير تلك التي تجعلهم محاطين بسوريا.
هل يمكننا مثلاً أن نتخيل من الآن خطاب قسم لرئيس عتيد يكون محوره هذه النقطة بالذات؟ إذا كان ذلك «غير واقعي» فلن يكون واقعياً تخيل خطاب قسم جديد من الأساس!