Site icon IMLebanon

هل يمكن تحويل أزمة اللاجئين إلى فرص اقتصادية في ظلّ التراجع والمنافسة وسوء إدارة الملف؟

عندما بدأت أزمة النزوح السوري في إتجاه الدول المحيطة بسوريا، كان الهم الرئيسي لدى حكومات هذه الدول، كما لدى الاسرة الدولية يحتم التعامل مع الازمة من منطلق إنساني. أما اليوم، وبعدما دخلت الازمة عامها الخامس، وهي تنحو في إتجاه المزيد من الحدة والمواجهات، فقد بدا التحول في التفكير والتخطيط ينحو نحو آليات التعامل المطلوبة من منطلقات إنمائية وإقتصادية تأخذ في الاعتبار الاثر الاقتصادي والتنموي للنزوح على المجتمعات المضيفة.

في منتدى الدوحة الاقتصادي الخامس عشر الذي عقد أخيرا في الدوحة وشاركت فيه “النهار”، طرحت إحدى جلسات العمل ملف اللاجئين إنطلاقا من حالتي الاردن ولبنان.

وبدا لافتاً من المداخلات التي قدمها خبراء في هذا الشأن عدم وجود أرقام أو إحصاءات دقيقة تبين الاثر الاقتصادي للاجئين على المجتمعات المضيفة.

علما انه في مقارنة للحالات القائمة بين لبنان والاردن وتركيا، وهي الدول التي تتحمل العبء الحقيقي للاجئين، يلاحظ أن الاردن عمد إلى إقامة مخيمات أمكن من خلالها حصر نشاطات اللاجئين في الحد المعقول. اما تركيا، فقد مارست سياسة ذكية، إذ وضعت، إلى جانب تعاملها مع الازمة من البعد الانساني الذي يغطي حاجات اللاجئين الاولية، وضعت سياسة إحتواء وإستيعاب إلى حد الاندماج لنحو مليون و700 الف سوري موجودين على أراضيها، ووفرت من خلال بطاقات صحية الاستشفاء والطبابة مجانا لهؤلاء، فيما كيفت بعض قوانين العمل لديها لتقبل العمالة التي تمثلها اليد السورية.

أما في لبنان، حيث هناك مليون ونصف مليون سوري، فيبدو الوضع أصعب وأكثر تحديا رغم أن الحكومة عمدت أخيرا من خلال إجراءين أساسيين إتخذتهما الى وضع بعض الضوابط على التفلت والفوضى الحاصلين في مسألة النزوح. اول إجراء تمثل في وقف إستقبال اللاجئين إلا من تتطابق معهم مواصفات النزوح، والاجراء الثاني يتمثل بتنظيم الاقامة والعمالة.

ولكن رغم ذلك لم ينجح لبنان بعد في إحتواء هذه المسألة بشكل كامل، خصوصا في ما يتعلق بمنافسة العمالة السورية للعمالة اللبنانية، وتراجع البنى التحتية والخدماتية تحت وطأة تزايد الطلب على إستعمال شبكات الاتصالات والمواصلات والطرق والمستشفيات والكهرباء.

وتبين دراسات أعدتها جامعة أوكسفورد عن إقتصادات اللاجئين أن هؤلاء لا يأخذون عمل المحليين بل يمكن أن يكونوا مولّدين لفرص عمل تشغَل المحليين، حتى في دول ذات إقتصاد هش وبطالة مرتفعة.

لكن هذه الحالة لا تنطبق على لبنان، بإعتبار أن العمالة السورية لا تزال تشكل مصدر قلق ومنافسة للعمالة اللبنانية. كما ان لبنان لا يزال يرفض أي بحث في قوننة عمل اللاجئين.

يرفض رئيس وحدة الانشطة الحيوية في المفوضية السامية للاجئين زياد أيوب فكرة ان اللاجئين يشكلون عبئا على الدول المضيفة، ويرى ان هناك تسويقا غير صحيح يؤدي الى هوة بين هؤلاء والمجتمعات المضيفة. ويشير إلى ان منظمات الامم المتحدة تتفهم مخاوف الحكومات من التأثير الاقتصادي للاجئين، ولكن لا بد من فتح الحوار والنقاش حول هذه المسألة، فضلا عن ضرورة زيادة التمويل ووضع الدراسات الاقتصادية لفهم إمكانات النمو في ظل هذا الوضع والاطر القانونية التي تظلل وجود اللاجئين وترعاه.

مجموعة ملاحظات يمكن إستخلاصها من البحث في هذا الموضوع تختصر بالنقاط الآتية:

– ان الحكومات مدعوة الى عدم إنكار الوضع وقوننة عمل اللاجئين وتعزيز تأثيرهم الايجابي وليس السلبي في المجتمعات التي تحتضنهم.

– إن إعطاء اي حق للاجىء لا يعني انه لا يرتب عليه في المقابل واجبات ، والدول مدعوة الى إلزامه بها وتنظيم إنخراطه الفاعل وغير المؤذي او المنضبط ( سياسيا وامنيا واجتماعيا) في المجتمع.

– لم يعد مقبولاً التعامل مع أزمة اللجوء على أنها ظرفية أو موقتة أو عابرة، بل المطلوب التطلع إليها من منظار أن هذا اللجوء قد يدوم لفترة طويلة. والتوقعات المتحفظة تتراوح بين 15 و20 سنة.

– لم يعد مسموحا التركيز حصرا على حاجات اللاجئين، والحكومات المحلية والمنظمات الدولية مدعوة إلى تركيز عملها على الآثار الاقتصادية والتنموية للاجئين على إقتصادات الدول المضيفة.

في الخلاصة، تنشط الحركة الخارجية والداخلية في موضوع اللاجئين، لكن ايا من المقاربات المطروحة لم تضع بعد الاصبع على جرح اللجوء النازف في ظل أوضاع إقتصادية متردية وظروف سياسية وأمنية دقيقة.

وفي غياب الثقافة التي تبحث عن القيمة المضافة، يبقى اللاجئ تحت المجهر من حيث الخطر والمنافسة والاعباء التي يتسم بها، فيما الحكومات تشحذ تمويلا لمشاريع قد تنتفي الحاجة اليها إذا تأخر تنفيذها.