Site icon IMLebanon

هل في الامكان إصلاح ما أفسده الدهر؟ في لبنان أزمة أخلاق لا أزمة قوانين

ليس بالقوانين وحدها يقضى على الفساد والافساد وعلى اختلاس الاموال العامة، بل في تطبيق هذه القوانين لتصبح رادعة. فلبنان ليس في حاجة الى مزيد من القوانين انما الى من ينفذها فلا يظل الفاسدون والمختلسون يتحدونها باقامة حفلات التكريم لهم… فكل شيء يبدأ بالأخلاق ولا سيما في السياسة والسلطة، ولبنان يعيش ازمة اخلاق.

قال مفكر فرنسي في الاصلاح الاداري: “من لا يصلح شيئاً يعد جباناً، ومن يدعي ان في امكانه اصلاح كل شيء هو احمق”. وفي لبنان اثبتت المحاولات الاصلاحية التي يتعذر احصاؤها صحة ذلك إذ إنها أصلحت شيئاً وغابت عنها أشياء. وإذا بالقوانين تشيخ فيما السرقات والفساد في ازدهار لأسباب سياسية او حزبية او طائفية، وبات الكلام على الاصلاح وعلى مكافحة الفساد والفاسدين مجرد جعجعة بلا طحين، أو موسمياً قصير العمر…

الواقع ان ما هو اهم من القوانين هو اخلاق الانسان التي تجعله شفافاً ومستقيماً ونزيهاً وصاحب ضمير حي في أي موقع كان فيه، ومثل هذا الانسان ليس في حاجة الى قوانين تحرس ضميره وتردعه عن ارتكاب المخالفات والتجاوزات، وعندها لا تبقى الآدامية والشفافية والنزاهة شرطاً من شروط إشغال الوظائف الكبرى او الصغرى، بل تكون شيئاً بديهياً وطبيعياً لا يجوز معه تأكيد ما هو مؤكد بالقول: نريد رئيساً للجمهورية نظيفاً وشفافاً، ونريد رئيساً للحكومة ووزراء انقياء وشفافين ونواباً يعرف الشعب انتخاب من منهم يتحلى بالصفات الحميدة، وإلا كان الشعب نفسه مسؤولا عن اعادة انتخاب الفاسد والمفسد في أي موقع لأن من لا يستطيع أن يحاسب نفسه اولا فإنه لا يستطيع محاسبة أحد. لذلك يجب الاهتمام بوضع الرجل الصالح في المكان الصالح بدءاً من رأس الهرم الى قاعدته عملاً بالقول: السمكة تفسد من رأسها والدرج يشطف من فوق وليس من تحت. فرئيس جمهورية نظيف وشفاف لا يأتي الا برئيس حكومة مثله، ورئيس حكومة لا يأتي الا بوزراء شفافين وانقياء، ومثل هؤلاء الوزراء لن يأتوا الا بمديرين مثلهم، وهؤلاء لن يأتوا الى الادارة إلا بموظفين اكفاء وشفافين، فلا الكفاية وحدها تكفي من دون شفافية، ولا الشفافية وحدها تكفي من دون اختصاص ومعرفة. وعندما تقوم مثل هذه الدولة من القمة الى القاعدة يصير في الامكان تطبيق القوانين على الجميع، ولا تبقى من دون تطبيق لأي سبب فيظل السارق يسرح ويمرح متحدياً الاوادم، وهذا ما يجعل الناس يتساءلون اليوم: لماذا كشف وزير الصحة وائل ابو فاعور ما لم يكشفه سواه قبله، ولماذا لا يكشف كل وزير ما في وزارته من فضائح اذا وجدت، ولماذا لم يحاسب عهد ما ارتكبته عهود سابقة؟ هل لأنه مرتكب مثلها ام لأنه عاجز ومقصر وغير قادر حتى وإن كان راغباً فيبقى الفساد صامداً في وجه الجميع والقوانين تندحر امامه.

عام 1930 احالت الحكومة على مجلس النواب قانوناً نص على الكسب غير المشروع. وفي عام 1945 طلب وضع قانون جزائي للاثراء غير المشروع نص على الآتي: “يعتبر اثراء غير مشروع الاثراء الذي يحصل عليه الموظف او القائم بخدمة عامة او من ينتسب اليهما برابطة القرابة او المصاهرة او الشراكة او الخدمة الحالية او السابقة، بالرشوة او صرف النفوذ او استثمار الوظيفة في طرق غير مشروعة وإن لم تشكل جرماً، او الاثراء الذي يحصل عليه الموظفون من طريق الاستملاك او من المقاولات وسوء تنفيذها او استخدام اموال الخزينة ووسائل الدولة من اجل تحسين قيمة عقارات يملكها رسميون او من ينتسبون اليهم، او حصل شراء بناء على معلومات اتصلت بهم بحكم وظيفتهم بأن قوانين ستصدر ومشاريع ستنفذ تحقق لهم

الكسب”.

ولا يزال الكلام يدور حتى اليوم على قانون الاثراء غير المشروع وادخال تعديلات عليه لجعله اكثر قدرة على منع الفساد ومكافحته، فضلاً عن تقديم كل نائب ومسؤول تصريحاً عما يملكه من اموال منقولة وغير منقولة لمعرفة ما اذا كانت زادت ام نقصت، ومن رأى ان رفع السرية المصرفية عن حسابات كل من يتعاطى الشأن العام هو وحده الرادع. لكن الكلام ظل كلاماً والفعل ظل للفساد والفاسدين ولا من يحاسب لأن العلة ليست في القوانين والنصوص انما في النفوس، والأزمة هي أزمة اخلاق، وما من عهد استطاع ان يصلح ما افسدته عهود. فالقوانين لا تهذب الاخلاق انما الاخلاق هي التي تهذب القوانين.