هل حقاً خسر «القوات» وربح «التيار»؟
المسيحيون أمام استمرار العبثية.. أو التوافق الرئاسي
كثيرة هي الخلاصات التي يمكن استخراجها من «مسرحية» التمديد للمجلس النيابي، من الديموقراطية المزيفة الى الخلل العميق في ما يصطلح على تسميته المجتمع المدني، وصولا الى القناعات الوطنية المشتركة. لكن تبقى الخلاصات والقراءات السياسية اكثر ما يثير الاهتمام. ليس لاهميتها، بل على الارجح، لضحالة مقاربة مسببات الأزمات المتوالدة، كما لنتائجها وتداعياتها على كل مستويات حياة اللبنانيين.
بديهيتان يمكن استخلاصهما من معركة التمديد. الاولى، تأكد مرة جديدة ان الاكثرية المسلمة في البلد، او الاكثريتين، اي السنية والشيعية، هي من تدير دفة السفينة اللبنانية حيث ترتئي. وان توافقهما يهمش اي دور لاية اقلية اخرى سواء كانت مسيحية او درزية او.. علوية.
البديهية الثانية تتمثل باستسهال «أبلسة» من يفترضه خصومه الاضعف. في هذه الحالة كانت «القوات اللبنانية». فالحملة التي شنت على هذا الحزب لانه شارك في التصويت على التمديد توحي بأنه ارتكب هذه المعصية لوحده. وكأن كل من شارك فيها براء من دم الديموقراطية المهدور. اما عذر التهجم عليه انه اضفى «الميثاقية» على الجلسة، فحمّال أوجه وأسئلة. لا يحيلنا ذلك الى البديهية الاولى التي تمثلت بالتوافق السني الشيعي الجارف كالمحدلة فقط، بل الى اسئلة عن «الميثاقية» وتفسيراتها، من يضمنها، من يؤمنها ومن يحدد ميثاقية التمثيل وعلى أي أساس؟ أسئلة تبدأ من العام 1992، وربما من العام 1990، ولا تنتهي بالامس.
في أي حال، لا شك أن «القوات» عوّضت بالاعتراف بحجم تمثيلها وشرعيته التي اقر به خصومها قبل حلفائها، عن الخسائر التي يفترض ان تكون تكبدتها جراء تأمين التغطية للتمديد. وهي للدقة خسائر «اعلامية» اكثر منها واقعية. فعلى «الارض» المعركة بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» وحتى «الكتائب» تجري على الحياديين من الرأي العام المسيحي. صحيح ان هؤلاء ليسوا قلة، لا بل هم اكثرية صامتة فعليا، الا ان لا ترجمة عملية اليوم لرأيهم او موقفهم. فالانتخابات النيابية بعيدة، وانتخاب رئيس جمهورية من الشعب، وفق آخر طروحات العماد ميشال عون، يبدو صعب المنال في الجمهورية الثانية. وبالتالي، فإن أي انتصار لفريق على آخر اليوم هو تقدم في النقاط، لا يعني شيئا كبيرا في الترجمة العملية لصراعهما السياسي.
في أي حال، التمديد حصل. أما تداعياته على حجم الفريقين وجمهورهما، فلن يكون أكثر تأثيراً من مواقف سابقة استهلكت واستنفدت ونُسيت. كان يمكن في هذا المجال ان ترجح بكركي بموقفها كفة فريق على آخر. لكن مواقف البطريرك بشارة الراعي من استراليا تضيف حينا الى رصيد «التيار» وحيناً آخر إلى رصيد «القوات». دان البطريرك التمديد ورجمه ورمى «الحرم الدستوري» عليه. صفق أهل «التيار». اضاف لاحقا ان النائب المنسجم مع نفسه والرافض للتمديد يستقيل من المجلس النيابي. صفق «القواتيون». خلُص الطرفان الى ان مواقف البطريرك لا يُعوّل على تجييرها لصالح أي منهما. لذا يكتفيان، كما «الكتائب» و«المردة»، بالبقاء على «سلام» مع بكركي، فلا يقتربون منها بالقدر الذي يتيح لنارها ان تحرقهم، ولا يبتعدون عنها كي لا يبردوا ويُحرموا من دفء غطائها.
لكن مقربين من الصرح البطريركي يؤكدون ان «البطريرك يعود الى لبنان وهو شديد الضيق من كل التطورات التي حصلت، سواء استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية أو التمديد لمجلس النواب، وصولاً الى تبادل الاتهامات والمزايدات بين الاحزاب اللبنانية، من دون القدرة على اي تأثير او تغيير». يضيف هؤلاء «سينشط البطريرك فور عودته في السعي الى فتح كوة في جدار الازمة، ومحاولة لبننة الاستحقاق الرئاسي الذي يعتبره مدخلا الى حلحلة كل العقد والمشاكل».
يبتسم سياسي مسيحي مخضرم عند توصيف الواقع و«اوهام الاحجام والدور لدى كل القوى المسيحية الحزبية والكنسية»، كما يقول. ويؤكد أنه «على المسيحيين أن يستخلصوا العبر من درس التمديد ويعرفوا أن اتفاقهم على رئيس توافقي للجمهورية هو الامر الوحيد الذي يمكن ان يحرج كل شركائهم، ويعيد لهم الدور والثقل المفترض». ويضيف: كل جهد أو كلام آخر يدرج في سياق العبثية، وبعد فوات الاوان، سيبكون ملكا لم يعرفوا الحفاظ عليه.