Site icon IMLebanon

هل حقاً لا بديل عن التفاهم الداخلي بعدما غسلت اميركا يديها من الاستحقاق؟

بات واضحاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد غسلت يدها من الإستحقاق اللبناني متخطية بذلك ما لمسه الكثيرون وأعلنه بعض المسؤولين فيها عن أنّ لبنان لا يُشكّل أولوية حالياً بالنسبة لها وللمجتمع الدولي في ظلّ تزاحم الأولويات من الأزمة السورية والإرهاب واليمن وما الى ذلك. علماً أنّ تداعيات الأزمة السورية والإرهاب يقصمان ظهر الحكومة اللبنانية، بسبب النزوح الكثيف ومتطلّباته والذي لم يعد يحتمل، فضلاً عن الإرهاب الذي ضرب أخيراً في بلدة زحلة بهدف زعزعة الوضع الأمني.

وما شدّد عليه وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية توماس شانون خلال زيارته الرسمية الى بيروت عن عدم إمكانية بلاده والمجتمع الدولي تقديم الحلول للقضايا الداخلية مثل الفراغ الرئاسي، وأنّ هذه الحلول، بحسب رأيه، يجب أن تأتي من المؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني، كان لا بدّ وأن يقع وقوع الصاعقة على الفريق السياسي المدعوم من الإدارة الأميركية كونه يتكل عليها في إيجاد حلّ لهذا الإستحقاق، على ما أشارت أوساط ديبلوماسية عليمة، غير أنّ ذلك لم يحصل.

كما أنّ كلام شانون الذي أتى بعد كلام منسقّة الأمم المتحدة لشؤون لبنان سيغريد كاغ والذي صبّ في الإطار نفسه، إذ ركّزت على المثل القائل: «تستطيع سوق الحصان الى الماء، لكنك لا تستطيع أن تجعله يشرب»، يؤكّد وبحسب اوساط ديبلوماسية غربية، على أنّه لا نيّة حالياً لدى الولايات المتحدة بالضغط على فريقها السياسي في الداخل للذهاب الى المجلس النيابي وانتخاب الرئيس. ولعلّه لذلك يجري التسويق اليوم لفكرة أنّه على اللبنانيين أنفسهم إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلهم، من دون معرفة ما الذي ستقوم به في وقت لاحق.

ورغم أنّ أحزاب وتيّارات عدّة كانت دعت الى جعل الإنتخاب داخلياً، بعيداً عن أي تأثيرات خارجية على النوّاب والمسؤولين السياسيين، إلاّ أنّ الواقع (أي عقد 43 جلسة نيابية من دون انتخاب الرئيس)، أظهر أنّه من المستحيل إجراء هذا الإستحقاق من دون إعطاء الإشارة الخضراء من الخارج، رغم نكران الكثيرين لهذا الأمر، وتضيف الاوساط انه إذا سلّمنا جدلاً بأنّ الولايات المتحدة قد تركت الخيار للبنانيين لانتخاب رئيسهم، فهل ستدع كلّ من السعودية وإيران حلفاءها في الداخل يتصرّفون على النحو الذي يجدونه مناسباً، على ما تساءلت الأوساط، في ظلّ استمرار عدم التوافق السعودي- الإيراني؟ وكيف سيتمكّن اللبنانيون إذاً حلّ قضاياهم الداخلية بأنفسهم، والدول الإقليمية تتصارع من حولهم في كلّ من العراق وسوريا واليمن؟ وهل بالإمكان فعلاً فصل الحلول في لبنان عن أزمة المنطقة، على ما صرّحت كاغ أخيراً؟!

فإذا كان كلّ هذا ممكناً، ما الذي يمنع النوّاب الحاليين من انتخاب رئيس البلاد بعد أن شدّد المجتمع الدولي، على لسان ممثلي الولايات المتحدة، على أنّه عليهم إيجاد الحلول بأنفسهم؟ أو لعلّه هذا هو الضوء الأخضر المنتظر من قبل حلفاء الخارج؟ ثمّة شكّ في ذلك.

كذلك فإنّ ما تروّج له الولايات المتحدة الأميركية هو أكثر ما يريده الشعب اللبناني، أي أن ينتخب نوّابه رئيس البلاد، على أن يكون هؤلاء منتخبون من الشعب نفسه، وغير ممدّدين لأنفسهم مرتين متتاليتين. الأمر الذي يفرض إجراء الإنتخابات النيابية أولاً، على ما تضيف الأوساط ذاتها، ومن ثمّ الذهاب الى مجلس النوّاب لانتخاب الرئيس. ويمكن القيام بهاتين المهمتين قريباً، خصوصاً بعد إعلان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنّه سيجري الإنتخابات النيابية في موعدها، أي في أي موعد يتمّ تحديده شرط أن يأتي قبل انتهاء الفترة الثانية الممدّدة للنوّاب في حزيران المقبل.

ومن هنا، فإذا انطلقت الأحزاب السياسية والكتل النيابية من فكرة الإتكال على النفس، على ما شدّدت، فلا بدّ وأن يصل الجميع الى قناعة تفيد بأنّه لا بديل عن التفاهم الداخلي بعيداً عن التدخّلات والضغوطات الخارجية. ويجب بالتالي الاستفادة من الفرصة التي يمنحها المجتمع الدولي لسياسيي هذ البلد، بالبقاء متنحياً عن شؤونه الداخلية، والمضي في التفاهمات والمصالحات لانتخاب الرئيس القادر على إنقاذه من التحديات التي يواجهها من هنا وهناك.

لكن ما هو حاصل اليوم على الصعيد الحكومي، من مقاطعة وزراء «التيّار الوطني الحرّ» لجلساتها وتهديده بالتصعيد، واستقالة الكتائب اللبنانية منها لعدم إيمانها بجدوى استمرارها من دون إنتاجية فعلية، لا يُنبىء بأنّ التوافق سيحلّ عليها قريباً. على العكس تماماً، تقول الأوساط نفسها، فكلّ شيء يشير الى التصعيد والإنفجار والى وصول الحكومة الى حدّ الإستقالة.

غير أنّ الدعم الذي تصرّ كلّ من الولايات المتحدة والدول الأوروبية القلقة من المهاجرين غير الشرعيين، كما من الإرهاب الذي يضربها الواحدة تلو الأخرى، على دفع لبنان به الى الأمام، قد لا يكفي لا لانتخاب الرئيس ولا لإجراء الإنتخابات النيابية، ولا لبقاء الحكومة الحالية واستمرارها.

فلبنان ليس بحاجة اليوم الى الدعم المعنوي فقط، على ما شدّدت، بل الى حلول فعلية وملموسة للمشاكل التي يتخبّط بها جرّاء الأزمة السورية وأولها العدد الكثيف من النازحين السوريين الذين لم يعد يجدوا أنّ الحل هو في لجوئهم الى إحدى الدول الأوروبية، لا سيما بعد أن اتخذت هذه الأخيرة إجراءات صارمة بحقّهم، بل في بقائهم في لبنان ودول الجوار في انتظار ما ستؤول اليه الأوضاع في بلادهم. وحتى وإن تحسّنت فهم سوف يرون إن كان بقاءهم هنا أفضل لهم من العودة، ما يُشكّل كارثة حقيقية على الشعب الذي احتضنهم إنسانياً وتحمّل كلّ مضارباتهم له.

وثانيها، الإرهاب الذي يتهدّده كما سائر دول المنطقة والقارة الأوروبية، ولا يمكن بالتالي أن يتمّ دعم لبنان شفهياً في هذا الإطار، في الوقت الذي يواجه فيه جيشه والقوى الأمنية فيه، تنظيمات إرهابية مدجّجة ومموّلة بالأسلحة الكافية والمتطوّرة.