IMLebanon

هل فعلاً حان وقت البحث عن بديل للأسد؟

  ربما لا خلاف على أنَّ الهدف الفعلي والأساسي لمسارعة إيران بتفجير الأزمة اليمنية، هو شغل المملكة العربية السعودية ومعها باقي دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الأردن ومصر، عما يجري في سوريا، حيث لم تعد دولة الولي الفقيه تكتفي بإرسال عشرات التنظيمات الطائفية المستوردة حتى من الهند وباكستان وأفغانستان، وإرسال الخبراء والمستشارين؛ بل إنَّ تماديها قد وصل في الفترة الأخيرة، بعد الإنجازات التي حققتها المعارضة السورية (جيش الفتح) على جبهة إدلب – جسر الشغور – أريحا – اللاذقية، إلى حد نقل قوات برية فعلية إلى سوريا باتت توجد في ميدان المواجهة وتخوض معارك ضارية في هذه المنطقة الاستراتيجية التي أخطر ما فيها أن تحكّم قوات الثورة فيها سيهدد مدينة «القرداحة» التي هي عاصمة نظام الأسد الفعلية.

وبالطبع، فإن ما عاد معروفًا ومؤكدًا هو أن تدخل إيران في اليمن قد بدأ عسكريًا وسياسيًا في عام 2009، وأنه منذ ذلك الحين وحتى بادر الحوثيون ومعهم علي عبد الله صالح إلى الانقلاب على الشرعية الممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، قد جرى تدريب وتسليح ألوية عسكرية كاملة إنْ داخل الأراضي اليمنية وإن في لبنان في معسكرات حزب الله، وإن في مراكز تدريب الحرس الثوري الإيراني في دولة الولي نفسها.. وإن في سوريا أيضا، والأيام المقبلة ستثبت هذا وتؤكده.

لقد كان معروفًا أن إيران بدءًا بعام 2003 قد باشرت بتنفيذ توجهات قديمة تعود لما بعد انتصار الثورة الخمينية عام 1979 مباشرة، للتمدد في بعض دول هذه المنطقة العربية على أساس أنها ليست دولاً، وإنما «مجالات حيوية» للدولة الإيرانية، وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين قد حذر من هذا التوجه عندما تحدث لصحيفة أميركية عن أن هناك من يسعى لإنشاء «هلال فارسيّ»، ترجمته هذه الصحيفة على أنه «هلال شيعي»، يبدأ طرفه باليمن في الجنوب وينتهي طرفه الآخر في لبنان، مرورًا بمنطقة الخليج العربي وبالعراق وسوريا.. وهذا هو ما يحصل الآن وبكل وضوح وصراحة.

لكن ومع أن تنفيذ هذا المخطط، الذي بدأ عمليًا في عام 2003، لم يتوقف، وحقيقة أنه لا يزال مستمرًا حتى الآن، فإن إيران قد سارعت إلى تفجير القنبلة اليمنية لشغل الدول المشار إليها بهذه القضية على حساب الاهتمام بالأزمة السورية التي كانت اقتربت من وضعية عنق الزجاجة التي وصلت إليها الآن، والتي من الواضح أنها تعني أن نهاية نظام بشار الأسد قد أصبحت قريبة ومحسومة رغم كل شيء ورغم انشغال العرب المعنيين بمستجدات الجبهة الجنوبية.

لقد انشغلت المملكة العربية السعودية ومعها الدول الشقيقة الآنفة الذكر فعلاً بمستجدات الوضع اليمني بعد انقلاب الحوثيين وعلي عبد الله صالح على «الشرعية» في اليمن، خاصة أن التدخل الإيراني قد ازداد وتضاعف بعد هذا الانقلاب، وهذا هو ما اعترف به قائد حرس الثورة محمد جعفري، حيث قال قبل أيام قليلة إن تدخلات إيران في اليمن وسوريا، تأتي في إطار توسيع (خريطة) الهلال الشيعي في المنطقة، وحيث أشار موقع محطة «برس تي في» إلى أن طهران نظمت مؤخرًا مائة ألف من القوات الشعبية اليمنية، وحيث أشار أيضا الموقع الأميركي «فري بيكون» المعني بأخبار الأمن القومي والقضايا السياسية في الولايات المتحدة، إلى أن الإيرانيين يعملون حاليًّا على إرسال مزيد من المقاتلين إلى اليمن لمساعدة الحوثيين في السيطرة على هذه البلاد.

ثم، وفي هذا الاتجاه ذاته، قال مسؤولون أميركيون: «من أهم الأهداف التي تحاول إيران تحقيقها الآن، مواصلة السعي للسيطرة على مضيق باب المندب، والاستمرار في محاولات الإخلال بالأمن الداخلي للمملكة العربية السعودية، والواضح، حسب المعلومات المتداولة، أن طهران في كل هذا السعي وفي كل هذه المحاولات لا تعتمد على الميليشيات الحوثية وميليشيات علي عبد الله صالح فقط؛ وإنما أيضا على (فيلق القدس) التابع لحرس الثورة بقيادة الجنرال قاسم سليماني، وعلى مقاتلي حزب الله الذين تشير تلميحات وتصريحات حسن نصر الله إلى أنهم يوجدون بالفعل على الأراضي اليمنية».

لكن ورغم هذا الانشغال، فإن المؤكد أن المملكة العربية السعودية انطلاقًا من قناعتها بأن نظام بشار الأسد لا يزال يشكل، حتى بعد كل هذا الإعياء الذي وصل إليه، مرتكز مشروع إيران التمددي في هذه المنطقة، تولي جزءًا رئيسيا من جهدها للأزمة السورية التي باتت تمر بأصعب وأخطر مراحلها، خاصة لجهة دعم المعارضة المعتدلة وتضييق شقة الخلافات بين فصائلها، وأيضا لجهة الجهود الكبيرة التي تبذلها في المجالات الدولية.

والآن، وكما تشير الوقائع على الأرض، فإنَّ نظام بشار الأسد، ورغم كل ما وصل إليه في الأيام الأخيرة من دعم عسكري إيراني تمثل في وصول قوات برية إلى مناطق المواجهة تنفيذًا لما وعد به مرشد الثورة علي خامنئي، بات آيلاً للسقوط بالفعل؛ وفي أي لحظة، وهذا ما أكده سحب روسيا رعاياها من اللاذقية، وما يقال عن أن بعض كبار رموز هذا النظام غدوا يسعون للحصول على «تأشيرات» خارجية للفرار من سوريا. وحقيقة أن العنف الذي لجأ إليه النظام السوري في الأيام الأخيرة، خصوصا في مجال استخدام الطيران الحربي والبراميل المتفجرة، يدل على أن كل هذه التقديرات والتوقعات الآنفة الذكر فعلية، وأن الأيام المقبلة حتى إن هي طالت أو قصرت، ستثبت صحة هذه التقديرات.

كان ستيفان دي ميستورا في بدايات مهمته يصر على أنه لا غنى عن دور رئيسي لبشار الأسد في حل الأزمة السورية المعقدة، لكن ما جاء مفاجئًا هو أن المندوب الدولي بات يتحدث عن أنَّه على الرئيس السوري أن يتنحى، وأنه لا بد من ضغط عسكري تقوم به الولايات المتحدة وليس الأمم المتحدة من أجل حمله على التنحي والمغادرة.

ثم وعندما يقول الكاتب الأميركي المعروف ديفيد إغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست»: «إنه حان وقت البحث عن بديل لبشار الأسد»، وعندما تتحدث إسرائيل، ولأول مرة، عن أن الرئيس السوري لا يسيطر إلا على ربع الأراضي السورية، وأيضا عندما تكون هناك هذه الاتصالات وهذه المفاوضات الأميركية – الروسية التي يجري الحديث عنها للتفاهم على مضمون المرحلة الانتقالية المتعلقة بتطبيق «جنيف1».. فإنه لا بد من تحرك عربي عاجل، رغم الانشغال بالأزمة اليمنية، للبحث عن «البديل» الذي تحدث عنه ديفيد إغناتيوس.

وهنا، وفي النهاية، فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة تنشغل الآن، بينما الأوضاع في سوريا تتفاقم على هذا النحو المتسارع، وبينما إيران باتت تحتل هذا البلد العربي احتلالا كاملاً ومن الوريد إلى الوريد، كما يقال، بإنجاز المفاوضات المتعلقة بالقدرات النووية الإيرانية، فالرئيس الأميركي باراك أوباما لم يعد يهمه، كما هو واضح، إلا هذا الهم، ولذلك فإنه لا بد من الانتباه الشديد إلى الأيام المتبقية من هذا الشهر يونيو (حزيران) الحالي، لأنها قد تشهد متغيرات خطيرة جدًّا، خاصة بالنسبة للأزمة السورية.

هناك مواجهة مصيرية فعلاً على الجبهة الجنوبية.. إنَّ هذه مسألة حقيقية وفعلية ولا شك فيها، لكن المؤكد أن ما يستجد في سوريا سيكون تحولاً تاريخيًا بالتأكيد. ولهذا، فإن المفترض أن تلغى وتزول الألوان الرمادية نهائيًا؛ فإمَّا هنا، وإمَّا هناك.. إمَّا مع المملكة العربية السعودية وفي التحالف العربي فعلاً، أو خارجه، فالأوضاع خطيرة بالفعل، واللحظة الراهنة من أخطر ما واجهته هذه الأمة في تاريخها الحديث.