لم يكن مرّ أكثر من أربع وعشرين ساعة على تظاهرة «اثبات الوجود» لـ«التيار الوطني الحر»، في ساحة الشهداء، بحشد شعبي لافت، أعاد شيئاً من الاعتبار لـ«التيار» واعلان رئيس الجديد الوزير جبران باسيل أولوياته المتمثلة بانتخابات نيابية، وفق قانون انتخابي جديد، او رئيس منتخب مباشرة من الشعب.. حتى أطل رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في مهرجان «شهداء المقاومة اللبنانية» تحت شعار «ما بينعسوا الحراس»، في معقله في معراب، بعد ظهر أمس، بخطاب حمل الكثير من المعاني والرسائل في غير اتجاه، باتجاه «الحلفاء» كما باتجاه «الخصوم»، ليبرر في هذه القراءة مقاطعة «حوار الانقاذ» الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، والمقرر يوم بعد غد الاربعاء، في قاعة المجلس النيابي، في ساحة النجمة بوسط بيروت، الا اذا طرأ جديد ما، قد يؤدي الى تغيير مكان انعقاد المتحاورين..
لم يفاجأ كثيرون باعلان جعجع «مقاطعة الحوار».. فلقد سبق لقيادات من «القوات» وعلى مدى الأيام الماضية التي سبقت موعد اطلالة رئيس «القوات» في مناسبة تعني الكثير له ولحزبه، ان تهربوا من الاجابة على ما اذا كانوا سيحضرون جلسة الحوار ويشاركون بفعالية لافتين الى ان القرار هو في جعبة الحكيم من ضمن «خريطة طريق» للمرحلة المقبلة لتصويب «البوصلة» و«الاهداف» والضغط على النواب من أجل حثهم على النزول الى المجلس وانتخاب رئيس جمهورية.. وهكذا كان.. فقد أطلق جعجع «خريطة الطريق» اياها، وتبدأ من انتخاب رئيس جمهورية، ثم تشكيل حكومة واقرار قانون انتخابي جديد واجراء انتخابات نيابية، بما يعارض تماماً «خريطة الطريق» التي أطلقها رئيس «التيار الحر» (الجديد والقديم) وتبدأ بانتخابات نيابية.
لم يخرج جعجع عن السياق العام، لموقف نواب «القوات» من الحوار الذين لفتوا الى «لا جدوى من ذلك، وقد أثبتت التجارب السابقة ذلك وكان نتيجتها «بلوها واشربوا ميتها..»؟! هي رسالة بالغة الدلالة، الى «الحلفاء» كماً الى «الخصوم»، خلاصتها ان حزب «القوات» ليس ملحقاً.. وان قراره ينبع من قراءة ذاتية.. ولا املاءات في هذا، ولا مسايرة لأحد..».
لا ينفي عدد من «الحلفاء»، من الذين كانوا في الصفوف الامامية، يستمعون لكلمة «الحكيم»، ويتابعونه في كل كلمة، وكل حركة، في الصغيرة كما في الكبيرة، ان الموقف الذي ختم به جعجع كلمته شكل «صدمة»، و«احراجاً»، بكل ما لذلك من معنى.. خصوصاً، وان الحاضرين جميعاً، كانوا أبلغوا الرئيس بري موافقتهم على حضور الحوار، وان اختلفت الأولويات لاسيما وان أبرز مكونات 14 آذار، أكد ان دعوة بري للحوار، «صادقة ونابعة من القلب..» متوقعاً ان «تكون جلسة الحوار، بداية مرحلة جديدة..»؟؟
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن تأثيرات مقاطعة حزب «القوات».. خصوصاً وان التمثيل المسيحي كاف ليحافظ «الحوار» على ميثاقيته، وان أكثر الافرقاء احراجاً من موقف جعجع، هم أولئك الذين يقدمون أنفسهم على أنهم يمثلون البيئة المسيحية.. بنسبة او بأخرى.
البعض يرى، ان الرئيس بري، وان استند في دعوته الى الحوار، الى كم غير قليل من الـ«نعم» الدولية والعربية، إلا أنه، نسي، او غاب عن باله، ان اللحظة الدولية – الاقليمية – العربية، لم تتهيأ كفاية بعد لحلول كافية لاخراج لبنان من أزماته، لاسيما تلك المتعلقة بالشغور الرئاسي، وشلل مجلس النواب، والتعطيل المتعمد الذي تتعرض له الحكومة.. «فاللحظة ليست لحظة حلول، وان كانت لحظة رغبة لخلع ثوب الازمة..»، ورئيس «القوات» يعرف ان مصلحته في بيئته، كما في بعض علاقاته تدفعه الى ان لا يورط نفسه في مثل هكذا خيارات، وقد أحجم عن المشاركة في الحكومة التي حملها جعجع كامل مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع معتبراً ان «الحكومة الحالية يجب ان ترحل، شرط مجيء حكومة مكانها، لا عاجزة ولا فاشلة ولا فاسدة، وحتى تكون لدينا امكانية تغيير هذه الحكومة بواحدة أفضل منها، نحتاج الى رئيس جمهورية..». وهنا «بيت القصيد».
الخلاف على «الأولويات» ومن «أين نبدأ»، حسمه الرئيس بري في دعوته الحوارية: رئاسة الجمهورية، ومن ثم استعادة عمل مجلس النواب وعمل مجلس الوزراء، ومن بعدها «ماهية قانون الانتخابات النيابية». لكن هذه الأولوية بدأت تظهر على أنها نقطة خلافية جوهرية قد تطيح بـ«الحوار» الموعود.. لاسيما وان حليفه «حزب الله» و«حليف حليفه» «التيار الحر»، يتمسكان بأولوية الانتخابات النيابية، ان لم يكن الجنرال ميشال عون هذا الرئيس القوي والمعروف والمعلوم، فماذا ينتظر رئيس المجلس ليعلن موقفه الحقيقي وهو الذي يدرك أكثر من غيره ان لحظة انتخاب رئيس للجمهورية لم تنضج بعد على المستويات الدولية والاقليمية العربية، على رغم التمنيات المتواصلة، والتي تمثلت قبل أيام في دعوة الاتحاد الاوروبي، وفي الدعوات الاميركية المتتالية لانتخاب رئيس في «أسرع وقت ممكن..»؟!