يرى سفير سابق للبنان أن التعليقات على الاتفاق النووي سوف تستمر خصوصاً عندما يبدأ تنفيذ بنوده. وإذا كان ثمة من أيد هذا الاتفاق ومن عارضه أو تحفّظ عنه لاختلاف في قراءة مضمونه، فليس هو الاتفاق الوحيد الذي اختلفت حوله المواقف حتى وهو لا يزال على الورق، فإن مباشرة تنفيذه في ظل خلاف على تفسير بعض بنوده قد يجمده أو يعطله.
والسؤال الذي لا جواب قاطعاً عنه حتى الآن هو: هل يشقّ الاتفاق النووي الطريق إلى سلام شامل في المنطقة ويجعل القمر وهو بدر يسطع نوره فوقها، أم ينقسم هلالين أحدهما سنّي والآخر شيعي ما يجعل نور كل هلال يسطع فوق منطقته، أو ينخسفان إذا تصادما؟…
فإذا كان الاتفاق النووي سيشق طريق السلام إلى المنطقة، فمطلوب من الدول المعنية وضع جدول بأولويات الحلول للحروب القائمة في أكثر من دولة بدءاً بحرب اليمن توصلاً إلى تحقيق تقارب سعودي – إيراني يساعد على إيجاد حلول لكل الأزمات التي تعصف بدول المنطقة، ومن الحل في اليمن الى حل في سوريا بعدما بات الجميع مقتنعاً بأن الحل فيها سياسي وليس عسكرياً بدليل أن الحرب فيها لم تكن حاسمة رغم مرور ما يقارب الخمس سنوات، ثم إنهاء الحرب في العراق وفي ليبيا كي يصير في الإمكان إقامة جبهة عربية وإقليمية ودولية واحدة تواجه الإرهاب وتنتصر عليه في أسرع وقت ممكن.
ولا بد عند إنهاء الحروب في دول المنطقة من وقف تسليح وتمويل مجموعات لا عمل لها سوى زعزعة الأمن والاستقرار والقيام بأعمال عنف وارتكاب جرائم اغتيال ما يحول دون تحقيق الازدهار ومحاربة الفقر والبطالة، وهذه من أهم عناصر الإرهاب والذهاب إلى الانتحار وخلق البيئات الحاضنة.
ومن الطبيعي ألا يكتمل السلام في المنطقة من دون أن يتحقق مع إسرائيل التي وإن كانت تمتلك السلاح النووي فإنها تظل في خوف وقلق على مصيرها إذا لم تصبح دولة من المنطقة وليس كما هي الآن دولة في المنطقة. وأهمية هذا السلام مع اسرائيل أنه يتحقق بمشاركة إيران التي لا تعترف بها وتدعو إلى إزالتها من الوجود.
أما إذا كان الاتفاق النووي لن يحقق كل ذلك ولن يغيّر شيئاً في سلوك إيران حيال دول المنطقة، كما بدا من خطاب المرشد علي خامنئي، مثلما لم يغير نزع السلاح الكيميائي السوري شيئاً من سلوك نظام الرئيس بشار الأسد، فإن المنطقة تكون سائرة نحو حروب مستمرة قد لا تتوقف إلا بتقسيمها وهو ما تريده إسرائيل وتخطط له منذ زمن. لذلك لا بد من مراقبة سلوك إيران بعد الاتفاق النووي وعند مباشرة تنفيذه، فإذا ظلت تغذي الحرب في العراق وسوريا واليمن وتمول الأحزاب والتنظيمات وتسلحها لزعزعة الامن والاستقرار في كل دولة، ولا تستثني حتى لبنان من ذلك، فلن يكون عندئذ أمل في قيام دولة قوية وقادرة في المنطقة على مواجهة أي عدوان لاسرائيل وفرض السلام العادل عليها، كما لن تجد الحرب على الارهاب في المنطقة وخارجها نهاية قريبة لها.
لقد أعلن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد ان ما بعد الاتفاق النووي هو غير ما قبله، من دون ان يفصح اكثر من ذلك. فهل ستخضع المنطقة في نظره لهيمنة ايران وسياسة الغالب والمغلوب التي لا توصل الى مواجهة اسرائيل ولا الى مكافحة الارهاب؟
إن الاشهر المقبلة قد تجيب على كثير من التساؤلات والتوقعات، كما انها قد تجيب على من ينظرون الى الاتفاق النووي بتفاؤل وعلى من ينظرون اليه بتشاؤم. ولكن أياً تكن النظرة إليه فإن المطلوب من الزعماء في لبنان ألا ينتظروا الى ما بعد الاتفاق كما انتظروا ما قبله، بل أن يعملوا بسرعة على ملء الشغور الرئاسي بانتخاب رئيس يحل انتخابه مشكلة الخلافات حول آلية عمل الحكومة وتشريع الضرورة في مجلس النواب، إذ انه آن الأوان لأن يحكم اللبنانيون أنفسهم ليستحقوا وطناً ودولة، لا أن يظلوا محكومين من خارج ولا يستحقون لا وطناً ولا دولة.