حين يبلغ الشحن حدوداً غير مسبوقة
هل لا يزال حياد لبنان أمراً قابلاً للتحقيق؟
شاب بعضَ الاحتفالياتِ بالذكرى الاربعين لاندلاع الحروب اللبنانية اطمئنانٌ غير مفهوم تماما. توقف كثر عند «السلام» الذي ينعم به لبنان وسط الحروب المشتعلة في كل المنطقة، ليثنوا على نباهة الشعب اللبناني ووعيه. ومع ذلك، يعتبر احد السياسيين «الوسطيين» ان «الحرب اقرب الينا من قرب بياض العين الى سوادها». يقول انه «من الواضح ان هناك توافقاً دولياً ضمنياً للحفاظ على حد مقبول من استقرار البلد. لكن سلوك اللبنانيين، احزابا وافرادا لا يُطمئن».
التصعيد غير المسبوق في المواقف وحدّة الخطاب بين «المستقبل» و «حزب الله»، يستند إليهما ليخلص إلى ان «الطرفين يلعبان على حافة الهاوية. يصعدان في مواقفهما وفي إعلامهما، ثم يعودان ليلتقيا حول طاولة حوار يبقى ابرز ما ينتج منها مجرد انعقادها». يضيف: «يظن الطرفان ان بامكانهما الامساك بخيوط الشارع وبغرائز الناس وحساسياتهم وتحريكها كيفما اتجهت رياح مصالحهم. لكن ما يفوتهم فعلا ان التوتر بلغ حدا غير مسبوق، والشحن المذهبي وصل الى مستويات لم يعهدها الشارع اللبناني».
يحذر السياسي من ان تمر «بوسطة ما»، او يتشاجر ولدان على «غلة»، فتتأجج حرب لا يمكن التكهن بهولها. «فلا يستهين احد بما بلغت اليه الامور. قد تندلع الشرارة من الناس الهامشيين والمهمشين، الذين يحملون تبعات كل الشحن الطائفي والسياسي، مضافا اليها اوضاعا اقتصادية مزرية. عندها لا تعود تنفع محاولات ضبط الامور او الاصغاء الى الرغبات الدولية».
يتحمل السياسيون الذين يؤججون نار الخلافات والانقسامات تبعات مثل هذا السيناريو الدراماتيكي. لكن السياسي نفسه يضيف بحسرة: «مع الاسف، لم يعتبر احد من الحرب اللبنانية، خصوصا ان معظم أمرائها شركاء اليوم في السلطة، فلم يعتبر الامراء الجدد اصحاب التجارب الحديثة؟».
يصر السياسي على «وجوب تحييد لبنان عن صراعات المنطقة»، رافضا اعتبار هذا الطرح «قد تجاوزه الزمن بالممارسة والانحياز الواضح للاطراف اللبنانية». يقول: «هذا سبيل خلاصنا الوحيد. وهو ما يمكن ان يشكل نقطة اجماعنا. وكل ما عداه مضيعة للوقت والجهد ولارواح شبابنا ومستقبلهم».
هذا الكلام يوافق عليه اسقف مسيحي معتبرا ان «حياد لبنان مطلب الكنيسة التي تطمح ان يعيش ابناء هذا الوطن بسلام، يلتقون على ما يجمعهم ويبنون عليه. يعملون على تطوير كل ما يخدم الانسان في كمال انسانيته وحريته. يجب ان يكون حياد لبنان اليوم مطلبا جامعا للقوى السياسية. لهم جميعا مصلحة في ذلك. فالدول التي تحمي مصالحها وتنفذ اجندتها لا تنظر الى القوى خارج حدودها الا بصفتها وقودا لمعاركها، فكيف يقبل سياسيونا ان يكونوا حطبا في مدافئ الآخرين؟».
يؤكد الاسقف ان «كل النزاعات في العالم محكومة بالتلاقي والحوار من اجل الخروج بتوافقات وتسويات. فلماذا نؤجل حواراتنا الجدية ونتمسك بقشور الامور ونترك الخلافات الدولية تأخذنا بحسب رياح مصالحها؟». ويختم، على عادة معظم الاساقفة في هذه المرحلة، بتأكيد «وجوب انتخاب رئيس للجمهورية فورا، وتوافق اللبنانيين على اعلان حياد لبنان علّنا نمرر حروب المنطقة من حولنا باقل الاضرار الممكنة».
ليس خطاب الحياد جديدا على الساحة اللبنانية. يقول مسؤول كتائبي ان «معظم مشاكلنا تأتت من اصرارنا على التدخل في كل ازمات المنطقة والعالم. ليس المطلوب النأي بانفسنا عن القضايا المحقة او تجنب الانحياز الى الحق. لكن في النهاية، بم يمكننا ان نؤثر في مجرى الاحداث الكبرى؟ نحن نؤدي خدمة كبيرة الى العالم العربي بتعزيز تجربتنا وتحصينها وتقويتها، سواء في الحرية او العيش المشترك او الاغتناء في التنوع. بالتالي حياد لبنان ينعكس ايجابا ليس عليه فقط، بل على قضايا المنطقة ايضا».