يدور الحديث عن عملية إرهابية قام بها الحوثي، لكن الجميع متفق أن استهداف محطتي ضخ بترول لشركة أرامكو في الرياض هو عمل إيراني، وأيضاً الكل يتحدث عن تورط إيراني بتخريب السفن في ميناء الفجيرة، لكن التحقيقات جارية حتى الآن بحثاً عن أدلة تدين إيران في العملية، بطبيعة الحال لا يوجد أدنى شك في أن إيران متورطة في ما شهدته المنطقة أخيراً من عمليات إرهابية مهما حاولت التنصل منها، والتوقيت بحد ذاته ولوحده يعد دليلاً على التورط الإيراني في الحادثتين، ويحمل رسالة واضحة أسهمت في بلورة المشهد خلال الفترة المقبلة.
بعض المحلّلين والمراقبين دفعتهم العاطفة فاعتبروا أن العمليتين هما ساعة الصفر لبدء الحرب، وأن واشنطن سترد على إيران وأن المواجهة بعد هاتين العمليتين أصبحت حتمية!
شخصياً لا أقرأ المشهد بهذه الطريقة، بل أجد أن ما حدث هو مسعى إيراني لفرض نمط المواجهة مع واشنطن بحيث لا يكون جيش مقابل جيش.
الولايات المتحدة جاءت بمعداتها من سفن وطائرات إلى المنطقة للضغط على طهران، ووضعت معادلة واضحة جداً أن قواتها ومعداتها ومصالحها المباشرة هي خط أحمر، وإيران من جانبها ذهبت في هذا الاتجاه، وتحرص على ألّا تتجاوز ذلك الخط الذي وضعته واشنطن، إذا المشهد بات واضحاً لما ستكون عليه المرحلة المقبلة، وأشير هنا إلى أن طبول الحرب ومواجهة إيرانية – أميركية قد لا تكون قريبة كما يبدو، فالدولتان تتلافيان تلك المواجهة بقدر ما تلوحان بها، إلا أن ذلك لا يبعد شبحها عن المنطقة.
أما بالنسبة للرسائل التي حرصت طهران على إيصالها، فلو أمعنا النظر قليلاً في حادثة ميناء الفجيرة، الذي يضمن إمداد النفط من دون المرور بمضيق هرمز، ومن ثم استهداف أنبوب بترول يمتد من شرقي السعودية إلى غربها لأدركنا على الفور أن إيران تقول ليس فقط مضيق هرمز، بل حتى المنافذ الأخرى سواء أكانت في الخليج العربي أم في البحر الأحمر قادرون على الإضرار بها.
تلك هي الرسائل الإيرانية، التي تحاول إيران إرسالها من خلال عمليتين تم تنفيذهما في فترات متقاربة، الأولى قد يكون من قام بتنفيذها عناصر من الضفادع البشرية الإيرانية من دون أن يتركوا دليلاً على تورطهم وهذه ليست مسألة بالغة التعقيد، والثانية قام بها ربما خبراء إيرانيون أو من حزب الله ووضعوها برقبة الحوثيين المعروف أنهم لا يملكون مثل هذه الفراسة والتخطيط والتوقيت، وبالتالي رسمياً تحاول إيران أن تقول إنه لا علاقة لي بالحادثتين، فالحوثيون بحالة حرب مع السعودية، التي تقود تحالفاً ضدها، ربما هناك طرف ثالث يريد للحرب أن تنشب، تلك هي وسائل التنصل الإيرانية وأساليبها التي ستتبعها خلال المرحلة المقبلة، والتي تعتقد طهران أنها ستمنحها فسحة من الوقت لتصمد عامين بالعقوبات المفروضة عليها على أمل، طبعاً، ألّا يعاد انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وفي الوقت ذاته، يرون أن إبقاء الاستنفار الأميركي في المنطقة لمدة عامين من شأنه أن يستنزف واشنطن ويصعب عليها الوضع في المنطقة في شكل أكبر، ذلكم هو الرهان الإيراني، يأتي ذلك وسط تعاظم الشعور في المنطقة بأن المرحلة المقبلة ستكون بالغة الصعوبة وتحمل خسائر وضربات مؤذية بعضها ربما غير متوقع.
الإشكالية التي نعمل معها عميقة وأكبر مما تبدو، الولايات المتحدة طرفا فيها، فهي فرضت العقوبات الواجبة على طهران لكنها لم تضع استراتيجية لتنفيذها، أو ربما وضعت لكننا لم نتلمسها حتى الآن، فما نشاهده اليوم من التكتيك الإيراني هو في شهر أيار (مايو) فلنتصور كيف ستكون الهستيريا الإيرانية في شهر آب (أغسطس) مثلاً عندما تنهك العقوبات إيران من الداخل وتهدد نظامها في شكل أكبر.
التكتيك الإيراني ليس مفاجئاً، لكن التعاطي معه يدفعنا لنهج أساليب أكثر جدية لإحباطه، فمراقبة الموانئ بأحدث أجهزة المراقبة لا تعد قضية كبيرة، ودول المنطقة، وأقصد تحديداً السعودية ودولة الإمارات، قادرة على تأمينها، أيضاً محاولة استهداف مرافق شركة أرامكو لغرض التأثير على إمدادات النفط هو أمر غير متاح، والحادثة التي وقعت تأثيرها إعلامياً فقط وهذا ما حرصت طهران على توظيفه واستغلاله، أما ميدانياً فتأثيرها محدود جداً ولا قيمة له، فأرامكو شركة عملاقة ولا تقف حدودها عند أنبوب نفط، كما أن السعودية قادرة على التعامل مع هكذا أوضاع وضمان الإمدادات العالمية، وصيانة مواردها، كما أن اقتصادها لن يتأثر بأنبوب.
إذاً الأمر يتطلب معالجة سريعة، فالحشد العسكري في المنطقة لا شك في أنه سبب ضغطاً هائلاً على إيران التي تعاني من ضرر داخلي كبير جراء العقوبات، لكن طهران بهاتين العمليتين اختبرت الخطوط، التي يمكن أن تتحرك خلالها، وبالتالي ستواصل عبثها بين تلك الخطوط مع حرصها على عدم تجاوز الخط الأحمر الأميركي، لكن إلى متى؟
سؤال ربما تطول إجابته قليلاً…