IMLebanon

هل كان “المستقبل” و”الحزب” في حاجة لـ”هزة”؟ الحوار نحو ضوابط مغايرة للأنماط السابقة

ما بين طرفة عين والتفاتتها ستحسم الاتصالات المتوقعة مصير حوار “حزب الله” و”تيار المستقبل” بعد عاصفة السجال العالي التوتر بين الطرفين في أعقاب كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق ورد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله السريع عليه، والأرجح ان تهدأ العاصفة وتعاود طاولة حوار عين التينة جلساتها والتي توشك على أن تنهي عامها الأول.

ولكن السؤال المطروح: ألم يكن بالامكان أصلاً تلافي هذه المحطة التصادمية وتوفير تداعياتها على البلاد المثقلة أساساً بالتعقيدات؟

ثمة أوساط محايدة تذهب الى حد الجزم بأن الطرفين كانا في حاجة الى حدوث هذه “الهزة” بغية اعادة الاعتبار الى الكثير من الأمور، خصوصاً بعدما صار الحوار الثنائي مسلكاً روتينياً لا ينطوي على أية مفاجآت ولا يتوقع منه أية تحولات.

الحاجة الى الاشتباك هي وفق المصادر اياها أكثر إلحاحاً لدى “التيار الأزرق” الذي شاء أن يبعث برسائل الى داخله ومحيطه وفي أكثر من اتجاه، فاختار الوزير المشنوق منبر الذكرى الثالثة لاغتيال اللواء وسام الحسن ليطلق هذا الموقف الذي كان بمثابة الشرارة التي اشعلت فتيل السجال وأرخى حبل التأويل، على غاربه وهدد بطي صفحة كاملة وفتح الباب أمام أخرى.

وثمة باعتقاد المصادر عينها دافع آخر لدى هذا التيار هو عجزه عن اعطاء أي جديد يميط اللثام الذي يحيط بقضية اغتيال الحسن أو على الأقل يكمل ما أطلق في المناسبة عينها في العام الماضي عندما أعلن المشنوق قرب الافراج عن معلومات تتعلق بالقضية.

بطبيعة الحال تتوقف أوساط “حزب الله” ملياً أمام الكلام الذي راج في بعض الأوساط على أن الموقف السجالي الذي أطلقه وزير الداخلية لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر “المستقبل” وقيادته وقد لا يستبطن قراراً خفياً من هذا التيار بصرم حبل الحوار نهائياً مع الحزب، ولكنه لا يأخذ به ولا يعتبره أسباباً تخفيفية، فما سمعه الحزب واضطر الى الرد عليه هو كلام مكتوب ورد على لسان وزير ينتمي بالتمام والكمال الى “تيار المستقبل”، وبالتالي فهو يتعامل معه على أساس أنه موقف رسمي للتيار الى أن يتبلغ تبرؤاً منه عبر الاعلام أو عبر قنوات التواصل المعتادة.

ثم إن الحزب لا يتعامل بلامبالاة مع الكلام الذي يتعاظم عن أزمة رؤى وخيارات داخل “التيار الأزرق” وان ثمة من يعارض بالأصل فتح أبواب الحوار مع الحزب الذي يرفض أن يكون شد عصب هذا التيار أو طريق الخروج من أزمته الداخلية عبر افتعال اشتباك مع الحزب واستطراداً عبر اطلاق اتهامات بحقه.

ولا تخفي مصادر الحزب أيضاً أنه ربما يكون المشنوق أراد أن يكون موقفه عبارة عن كلام ويمر من دون أصداء أو ردود وذلك اتكاء على جملة معطيات أبرزها:

– الدالة التي يعتقد المشنوق أنه يملكها على الحزب وتجيز له التمادي في اطلاق المواقف الخلافية معه.

– أن المشنوق سبق له أن اطلق ومن المنبر عينه موقفاً لا يقل ضراوة عن موقفه الأخير، وقد مرّر الحزب هذا الموقف من دون هذا اللون من الرد القاسي.

– ان المشنوق ربما يكون اضطر الى اطلاق موقفه لأنه يحتاج الى براءة ذمة تتيح له لاحقاً السير قدماً في علاقته الانفتاحية مع الحزب، وفي الوقت عينه جبه معسكر الصقور المتربص داخل “التيار الأزرق” والذي يعارض أي انفتاح على الحزب.

غير أن رياح أمور المشنوق لم تسر وفق ما يريد، فالحزب لم يعد في مناخ تقبّل هجمات وإغارات كهذه عليه، فكما أن موضوع الحوار وجدواه هو موضع تباين ونقاش في داخل أروقة “المستقبل”، كذلك هو بالدرجة عينها موضع تساؤلات في الحزب وفي قاعدته العريضة، اذ لم يعد مستقيماً لدى هذه القاعدة أن تكون هناك جلسات حوار دورية تحت عنوان البحث عن مناخات التهدئة وخفض منسوب التوتر فيما المهمة الأساسية لدى رموز بارزة في التيار هي شن الحملات على الحزب وجعله هدفاً دائماً لا لشيء إلا لأن البعض في التيار يريد تعزيز حضوره واحراج رموز أخرى في اطار نهج القبض على زمام القرار. وإذا كان لدى التيار ملاحظات على تعاون الحزب وادائه كما يزعم البعض، فالمعالجة لا تكون عبر التراشق من فوق السطوح، خصوصاً أن الحوار الثنائي تقال فيه الأمور بكل صراحة وهو أعد أصلاً لهذه الغاية. ربما كان سكوت الحزب سابقاً، وتحديداً مع انطلاق صافرة الحوار مبرراً بالنسبة اليه اذ كانت دوائر معينة في الحزب تراهن على إمكان نسج علاقة تفاعلية مع رموز في التيار تقدم نفسها كحاملة توجهات جديدة وفي مقدمها المشنوق نفسه، فضلاً عن أن الحزب أبدى رغبة أكيدة في دعم تجربة حكومة الرئيس تمام سلام وفي الحفاظ عليها، إضافة طبعاً الى الحاجة الى خفض منسوب التوتر في ذلك الحين. واختصاراً كان الحزب يقيم يومذاك على أمل أن يكون الأمر كله عبارة عن رهان يستأهل المغامرة على فتح صفحة جديدة تمهد لعهد مختلف لادارة المرحلة. لكن الحزب لم يعد بامكانه القبول بموقع “فشة الخلق” في كل مرّة يريد رمز ما في التيار أن يعلي صوته ويسجل موقفاً ما أو يدحض تهمة معينة.

بناء على كل ذلك، رد الحزب وأتى رده حاسماً على لسان سيده مشفوعاً بضربة من الكف على الطاولة. والسؤال المطروح: هل كان الحزب مستعداً فعلاً للذهاب الى حدّ القطيعة مع “التيار الأزرق” وطي صفحة حوار ثنائي قيل الكثير عن أهدافه وأبعاده؟

رغم أن ثمة اجتهادات تقول إن الحزب لم يوصد الباب نهائياً بل تركه موارباً وترك المجال متاحاً أمام دور الوسطاء وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري لاعادة ترميم ما تصدع، فإن الحزب كان ولا يزال جاداً في انفاذ كلام أمينه العام في طي صفحة هذا الحوار، واستطراداً فإن الحزب جاد في وضع حد نهائي للعلاقة الملتبسة وغير الواضحة الحدود والأسس مع “التيار الأزرق”.

لا ريب في أن الحزب يرصد السلوك التراجعي الذي سلكه “تيار المستقبل” بعد الموقف الفصل للسيد نصرالله والذي رأى فيه البعض اشارة جلية الى ان التيار لم يكن يتوقع هذا المآل للأمور، وان ما اطلقه لم يكن بهدف فصم عرى الحوار مع الحزب، إلا أن الأخير يريد بعد اليوم تكريس قواعد وضوابط جديدة للحوار اذا ما استؤنفت جلساته على نحو مغاير للأنماط التي سادت خلال العام المنصرم.