هل حان الوقت لكي يعبر الرئىس سعد الحريري من منفاه المتّنقل بين السعودية وباريس الى الوطن؟ وهل ثمة أسباب جوهرية تجعله أسير هذه الغربة التي تتفاقم نتائجها السلبية لا سيما على تيار المستقبل والشريحة التي يقودها؟
يقول سياسي مخضرم كان احد ابرز المقربين من الوالد الحريري ان لا سبب، مهما كان حجمه، يدعو الشيخ سعد الى البقاء خارج البلاد وان عودته باتت ضرورية ليس انطلاقاً من الحسابات الوطنية فحسب بل ايضاً على مستوى حسابات تياره الذي يشهد أصعب مرحلة من الارباك والتشتت.
ويعطى المصدر مثلاً على هذا الارباك والتراجع مشيراً الى الخسارة التي لحقت به في الانتخابات الفرعية لنقابة المحامين في طرابلس رغم وجود وزير العدل ونقيبين سابقين (الوزيران اشرف ريفي ورشيد درباس والنائب سمير الجسر) من ابناء المدينة والتيار.
وخلال فرز الاصوات وجدت اوراق كثيرة في صندوق الاقتراع مدوّن عليها اسم الرئىس الشهيد رفيق الحريري بدلاً من اسم مرشح تيار المستقبل ما يعكس التباينات والتجاذبات داخل صفوف محازبيه. وهذا ايضاً يكشف حجم الاضرار التي اصابت وتصيب جسم التيار نتيجة تعدد الولاءات داخله في غياب الرئىس.
وبرأيه ان المبرر الأمني الذي يجعل الحريري ماض في ابتعاده عن البلاد ينطبق ايضاً على العديد من القياديين والشخصيات السياسية المنخرطة في العمل السياسي اليومي في البلاد، وان حجم الضرر الذي يحدثه هذا الغياب يكاد يتجاوز كل الاسباب والمبررات.
وبالمناسبة.. تتساءل الاوساط المراقبة ما الذي يجعل الحريري يتحمل كل هذه النتائج، وما هي الاسباب الحقيقية وراء استمرار غيابه المباشر عن المشهد السياسي في البلاد؟ هل هو الخوف الامني؟ او الهروب والرهان على المتغيرات الخارجية؟ ام انه ناجم عن سريان قرار منع السفر الخليجي الى لبنان عليه ايضاً؟
صحيح ان الرئيس الحريري لم يعلن صراحة الاسباب التي تجعله مستمر خارج البلاد سوى الكلام او الاشارة الى العامل الامني، الا ان العديد من الذين فاتحوه في اوقات متفاوتة في العودة الى لبنان لمسوا منه انه بات متعايشاً مع هذا المنفى الارادي او القسري، وهو يردد دائماً انه ينتظر اللحظة المناسبة والممكنة للعودة.
واذا كان ينتظر العودة على حصان ابيض ظافراً مظفراً فان مثل هذا الانتظار سيطول وربما لن تتحقق اهدافه.. وهذا الكلام سمعه الحريري من بعض المقربين الذين نصحوه بالعودة لالتقاط ما يمكن التقاطه وإعادة استنهاض جمهوره ولعب دوره الطبيعي والمباشر على المسرح السياسي الداخلي.
ووفقا للمعلومات فان اصحاب هذه النصيحة نقلوا اليه ايضا ما احدثه ويحدثه غيابه من فراغ في «المستقبل»، عدا عن الاهتزازات المكلفة التي اصابت وتصيب تياره نتيجة الحروب غير المعلنة بين بعض الطامحين في القيادة والمعروفون لدى القاصي والداني.
ونتيجة هذا الوضع الصعب اضطرت العمة بهية الى المبادرة على غير صعيد للمساهمة في لملمة وضع التيار قدر الامكان وابقاء قصر الوسط او بيت الوسط بيتا سياسيا مفتوحا لا تغيب عنه الحياة.
واذا كان بقاء الحريري في غربته قد احدث ويحدث كل هذه الآثار السلبية على تياره، فانه ترك اثره ايضا على دور وحضور «المستقبل» السياسي على المستوى الوطني، كما يقول المصدر.
ووفقا للمعلومات ايضا فان الصرخة المتزايدة نتيجة الوضع المالي الصعب الذي يعاني منه موظفو مؤسسات الحريري والمستقبل، جعلت الاصدقاء والمقربين يفاتحون الشيخ سعد بوجوب اخذ المبادرة والعودة الى بيروت من اجل العمل قدر الامكان على «ضبضبة الوضع ومعالجته ولو تدريجيا، لان الوعود او الحلول عن بعد باتت عاجزة عن كسب المزيد من الوقت.
اما في خصوص الحضور السياسي للمستقبل فان لغياب الحريري، كما يرى المصدر المقرب تأثير واضح على نسبة هذا الحضور الذي تصيبه الاهتزازات احيانا، قبل ان يعطي جرعات تغريدات الشيخ سعد وبياناته كما حصل ويحصل.
هل يسعى المقربون المخلصون لعودة الحريري الى البلد ام ان هذه الدعوة لا تقتصر عليهم فقط؟
تقول مصادر سياسية مطلعة ان التطورات السياسية في البلاد تفرض حضور ومشاركة جميع القيادات بشكل مباشر في المعالجات والحلول، وهذا ينطبق على الرئيس الحريري الذي لا شك ان وجوده في بيروت من شأنه اولا ان يعيد بنسبة مقبولة التوازن الى التيار داخليا وخارجيا، ويساعد على زيادة ترتيب العلاقات مع الخصوم والحلفاء.
وترى المصادر ان عودة الحريري الى لبنان مسألة مطروحة اليوم اكثر من السابق لان غيابه المستمر يعني اولا المزيد من التآكل في جسم تيار المستقبل لحساب الطفيليات التي تنمو على جوانبه، وثانيا يساهم في اضعاف دوره على المستوى الوطني.