بإعلان استقالة وزيرَي حزب الكتائب، يكون ربط النزاع مع «حزب الله» قد فقد طرفاً اساسياً وفاعلاً لم يشارك فقط في الحكومة، بل كان جزءاً من الشرعية المسيحية، التي أمّنت توازناً لحكومة استمرت لفترة طويلة فيما كان يفترض بها أن تكون حكومة تأمين حصول الانتخابات الرئاسية، او تأمين البديل الدستوري لفترة رئاسية قصيرة ريثما يكون الرئيس العتيد قد انتُخب.
لا يشكل هذا الخروج إلّا تكريساً لنتائج الانتخابات البلدية التي اعطت انطباعاً لدى رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل أنّ ثمة تغييراً حقيقياً وجوهرياً في مزاج الشارع، وأن استمراره داخل الحكومة بات يشكل استنزافاً يتخطى ملفَي سدّ جنة، وردم النفايات في ساحل المتن الشمالي، الى الخشية من أنّ انعدام الثقة بالطبقة السياسية المتمثلة في الحكومة وطاولة الحوار والمجلس النيابي قد يبلغ مداه في الفترة القريبة المقبلة.
وقد أتى الانفجار الذي تعرّض له مصرف لبنان والمهجر، ليضيف الى اسباب الاستقالة اسباباً اخرى لا بل نتائج كثيرة، قد تظهر في حال استمرّ الوضع على ما هو، خصوصاً بما يتعلّق ببعض قوى 14 آذار، التي اتخذت خيارات بالغة الخطورة، في الملف الرئاسي وغيره من الملفات.
وفي وقت كان حزب الكتائب قد بادر الى معارضة ترشيح النائب سليمان فرنجية، وحسم موقفه بعد التباس قصير، وفي وقت عارض الحزب ترشيح العماد ميشال عون منذ اللحظة الاولى، استمرت مفاعيل الترشيحين بالانعكاس سلباً، فطال أمد الفراغ الرئاسي، رغم كلّ التنازلات التي قدمها فريق 14 آذار، ووصل الامر أخيراً الى حدّ بات هذا الفريق في موقع المتفرج السلبي على ما يجري، وظهر ذلك جلياً بعد استهداف المصارف وتهديد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيما لم يسجَل أيّ رد فعل حقيقي بمستوى التهديد الذي يشبه بخطورته المرحلة التي سبقت وأعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
الملفت في ما يتعلق بموقف الاطراف أنّ «القوات اللبنانية» وكذلك تيار «المستقبل» لم يعودا قادرَين على العودة الى الوراء، كأنهما علقا في شرنقة الترشيحين، هذه الشرنقة التي تؤشر الى نوع جديد من التعاطي مع الاحداث، لا يشبه المناخ الـ 14 آذاري بشيء.
الواقع العملي يدل على أنّ كلّاً من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع يتبنيان مرشحين هما في صلب التحالف مع «حزب الله»، الذي بدوره يخوض مواجهة كبرى من سوريا الى العراق واليمن، والذي يُتهم من دوائر اميركية ودولية بالعديد من العمليات غير المشروعة، التي أدّت الى صدور قرار بمعاقبته عبر تتبع كلّ ما يمت له من حسابات مصرفية في لبنان والعالم.
هذا الواقع يرتب على كلّ مَن رشح فرنجية وعون أن يعيد النظر في حساباته، خصوصاً أنّ عون وفرنجية سيكونان في بعبدا، مجرد واجهة رئاسية لـ«حزب الله» الملاحَق دولياً وعربياً، وهذا بحدّ ذاته الوجه الآخر لـ«فيتو» غير معلن، سيمنع وصول أيٍّ منهما الى الرئاسة، وبالتالي سيكون الاستمرار بترشيحهما، استنساخاً للفراغ.
أمام هذا الانسداد الواضح، يطرح السؤال عن إمكانية تحريك الجمود القائم، عبر العودة قليلاً الى الوراء، والنظر في إمكان القيام بمراجعة، بما يخصّ الترشيحين، بحيث يقوم مَن رشحهما اما بوضع سقف زمني لكلّ ترشيح، أو بوضع الترشيح في الثلاجة آنياً، طالما أنّ حليف المرشحَين المنشغل بمواجهة على مستوى المنطقة والعالم، غير مهتم بانتخاب رئيس، فهو يمسك بقدرة تعطيل الانتخابات ويترك المرشحَين ومَن رشحهما في دوامة الانتظار، فيما ينصرف الى تحميل المؤسسات اللبنانية الخاصة والعامة ثمن مشاركته في هذه المواجهة.