Site icon IMLebanon

هل صحيح أن قوى التطرّف في إيران بدأت تعيش «خريفها» على وقع إنجاز رفع العقوبات؟

هل صحيح أن قوى التطرّف في إيران بدأت تعيش «خريفها» على وقع إنجاز رفع العقوبات؟

الاعتدال الإيراني وروحاني يخوضان معركة تحرير البلد من تركة المتطرّفين الثقيلة

الشعب الإيراني احتفل لرفع العقوبات الاقتصادية وليس للسلاح النووي..

بعيداً عمّا سيقوله كل من الفريقين الإيراني من جهة والأميركي والدولي من جهة ثانية، فكل فريق منهما سيسعى في الأيام المقبلة لتحسين صورة ما أقدم عليه، ويرى فيه إنجازاً.

يمكن القول أن الرابح الأكبر من الاتفاق هو عموم الشعب الإيراني الذي تعرّض لضائقة اقتصادية خانقة بسبب سياسات حكوماته المتعاقبة، والتي أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية على إيران دامت لحوالى 30 عاماً.

فالشعب الإيراني عندما منح إبّان الانتخابات الرئاسية مرشح الاعتدال الشيخ حسن روحاني أغلبية واضحة وحجبها عن الرئيس أحمدي نجاد مرشح المتطرّفين من حرس ثوري ورجال دين متشددين، أراد من خلال ذلك توجيه رسالتين مهمتين:

الأولى: أنه يرغب بشدة في إعادة العلاقة الطبيعية مع الغرب، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية عن بلده، الذي أرهقته إلى درجة لم يعد بمقدوره تلبية الحاجات الأساسية لشعبه، وأن ذلك لن يكون إلا عبر طمأنة الغرب ومصالحته، والطريق الوحيد والرئيسي في المرحلة الأولى دفع القوى المعتدلة إلى السلطة، وحجب الثقة عن الفريق المتطرّف الذي جعل إيران تدفع ثمناً باهظاً لسياساته التي كادت أن تدفع الأوضاع الداخلية إلى الهاوية.

الثانية: رفض جميع مشاريع القوى المتطرّفة في الداخل الإيراني، التي لم تستطع سياساتها الداخلية والخارجية أن تحقق إنجازات تمنح الشعب الإيراني الاستقرار والعيش الرغيد، فالشعب الإيراني أطلق «ربيعه» قبل الربيع العربي بأربع سنوات، ولكن تم «خنقه» بالقبضة الحديدية، حيث استخدمت قوى التطرّف في السلطة وقتها أبشع أنواع القمع والقتل وتمّ إعدام عشرات القيادات الشبابية على أبواب الجامعات، ومنذ ثماني سنوات وضعت قيادة «الثورة الخضراء» من مير حسين موسوي وغيره تحت الإقامة الجبرية.

فالمظاهرات التي ملأت شوارع طهران إبّان الثورة الخضراء هتفت ضد المتطرّفين وسياساتهم، ومن هذه الهتافات «لا حماس ولا لبنان إيران.. إيران إيران».

يعني رفضها بوضوح للسياسة الخارجية الإيرانية التي كلّفت الخزينة مئات مليارات الدولارات، في لبنان (لحزب الله) وفلسطين (حماس والجهاد الإسلامي)، وفي سوريا وغيرها.

عندما زار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون القاهرة عام 1972 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ذهب الإعلام المصري وقتها، وكذلك الكثير من رجال السياسة والفكر والإعلام، بعيداً في تصوير حالة الرخاء التي يمكن أن تعمّ حياة المصريين فيما لو أقامت مصر علاقة جيدة مع الولايات المتحدة وابتعدت عن خصوصية العلاقة التي كانت قائمة لسنوات طويلة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع الاتحاد السوفياتي، وأذكر وقتها ما خاطبني به بعض المصريين «يا أخي سيبنا (دعنا) من الاتحاد السوفياتي وفقره، فقير على فقير ما ينفعش.. إحنا تعبنا.. إحنا عايزين أمريكا».

هذا ما كانت عليه صورة الآمال لدى غالبية المصريين عندما أخذ الرئيس أنور السادات «يدغدغ» مشاعرهم وآمالهم في حياة جديدة فيما لو أقامت مصر علاقات خاصة مع أميركا، وبطريقة غير مباشرة تبني سياسة الانغلاق على الداخل والابتعاد عن جميع عناوين السياسة الخارجية التي كانت متبعة في عهد جمال عبدالناصر.

بدوره الشعب الإيراني منذ سنوات طويلة يتوق لرفع العقوبات الاقتصادية، كما يتوق ويضغط باتجاه وضع امكانات إيران في التنمية الداخلية، وبالتالي تحسين الوضع المعيشي للمواطن الإيراني وعدم وضعها في الخارج، ولذلك هتف أبان الثورة الخضراء «لا حماس ولا لبنان.. إيران.. إيران .. ايران».

ولذلك عندما تمّ الإعلان عن الاتفاق «الاطار» مع الغرب، أمس الأوّل، عمّت الفرحة شوارع طهران، عبّر عنها الإيرانيون الذين يريدون أولاً وأخيراً رفع العقوبات الاقتصادية لتحسين أوضاعهم المعيشية ولكسب مزيد من الحريات السياسية، وليس فرحاً بأن إيران خدعت الغرب والمجتمع الدولي وبأنها ستمتلك القنبلة النووية.

فمع وجود ثورة الاتصالات، وهي ثورة في المعرفة والمعلومات، لم يعد في ظلها «للرقيب» الحاجب للمعلومات من دور، والشعب الإيراني الذي يستخدم ثورة المعلومات والاتصالات يعلم جيداً ان القنبلة النووية التي تمتلكها كل من كوريا الشمالية وباكستان والهند لم تجلب الرخاء لشعوب هذه الدول، فالسلاح النووي تكلفته عالية جداً وليس له عائد اقتصادي وتنموي.

لذلك يتوقع كثيرون بأنه بعد رفع العقوبات الدولية ستكون الغلبة لقوى الاعتدال في الشارع، ستعكس تغيراً كبيراً في السياستين الداخلية والخارجية لإيران، فمن صالح إيران أن تحصر نشاطها النووي في الأغراض المدنية السلمية في الصناعة والزراعة والطب. وهذا أمر طبيعي لا يقلق العالم ولا يقلق جيرانها العرب.

اما إيران دولة نووية عسكرية فهذا يثير القلق وخصوصاً في دول الجوار، ويجعل منطقة الشرق الأوسط غير مستقرة، ويدفعها لسباق نووي محموم، كما عليها ان ترسل برسائل اطمئنان لجيرانها العرب وتقوم بإجراءات عملية، لتتوحد الجهود من أجل جعل المنطقة منزوعة من السلاح النووي وتحديداً النووي الإسرائيلي.

ويرون أيضاً انه كما تمّ تقليم أظافر برنامجها النووي عبر المراقبة الدولية الدقيقة، فإنه سيتم تقليم وتقصير اظافر سياستها الخارجية في محيطها العربي، وأن جميع المعطيات تُشير إلى ان قوى الاعتدال في إيران، بعد رفع العقوبات، ستكون لها اليد الطولى في تحديد سياسات ايران داخلياً وخارجياً، وأن قوى التطرف التي فشلت سياساتها في كسب ثقة الشعب الإيراني بدأت تعيش خريفها، فعشرات الملايين من أنصار «الثورة الخضراء» هم مَن جعل الغلبة في صناديق الاقتراع للرئيس حسن روحاني ليحقق اليوم أهم إنجاز للشعب الإيراني وهو رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن كاهله، لتستكمل في ما بعد في وقف «هوجة» التدخلات الخارجية في شؤون الآخرين وتحديداً في البلاد العربية، والتي لا تتوافق وتوجهات غالبية شعب إيران.

أمام الرئيس روحاني معركة شرسة وطويلة في الداخل الإيراني، ففريق المتطرّفين لن يسلّم الراية بسهولة.

وإيران اليوم باتت تحت عيون المراقبين، ومحط اهتمام قوى إقليمية ودولية تتطلع لإيران مستقرة، بعيداً عن العقوبات، وبعيداً عن أي توتر مع جيرانها.