على رغم الترحيب بـ «لقاء معراب» على خلفية المصالحة المسيحية، فإنّ في الكواليس السياسية والحزبية كلاماً كثيراً يُبعد هذه الصفة عنه ويعتبره حرب «إلغاء جديدة». وهو ما عبّرت عنه أوساط سياسية وروحية لديها ملاحظات عدة وتنتظر أن تبرد الرؤوس الحامية للبحث فيها على قاعدة مرفوضة تقول «إنّ المسيحيين ذاهبون الى الآحادية والشيعة راجعون». كيف ولماذا؟
لا يكفي أن يلتقي رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون في ظروف ملتبسة تَشي بوجود خلفيات كثيرة غامضة ولهدف آني إختصَرته المناكفات حول الإستحقاق الرئاسي بعيداً من الشعارات الكبيرة التي رفعها الطرفان على مدى سنوات، كانت حافلة بالخيبات والإنتكاسات العميقة، والّتي شهدت صندوقة الإقتراع في الجلسة الأولى من الجلسات المخصّصة لإنتخاب رئيس للجمهورية أولى مظاهرها عندما إقترع نواب التيار لـ»شهداء إهدن» و»13 تشرين» فقدّموا أسوأ صورة عن طقم سياسي لا يعرف سوى ردات الفعل قبل أن يعطي دروساً في القوة والمصالحة بعد فترة من الزمن.
وعلى هذه الخلفية، وبعد مرور أسبوعين على لقاء معراب، بردت بعض الرؤس الحامية وبات النقاش الهادئ ممكناً للغوص في الظروف التي رافقت مسلسلَ الخطوات المتسارعة بين الرابية ومعراب والتي أنتجت تفاهماً زاد من التعقيدات المرتبطة بالسعي الى انتخاب رئيس للجمهورية وأبعدت الإستحقاق الى زمان ومكان يصعب تقديرهما في بلد العجائب الذي تتكرّر فيه المفاجآت والإنقلابات بين ليلة وضحاها، بما تحمله من مبرّرات لا تنتظم سوى تحت راية أنّ الغايات تُبرّر الوسائل وتجعلها أمراً واقعاً أيّاً كانت أضرارها ونتائجها.
ومن هذه النقاط، وبعدما توقفت الأوساط السياسية والروحية عند بعض ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن الظروف التي رافقت لقاءات باريس وما كشفه رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية عن مضمون المفاوضات السرّية التي سبقت زيارته الباريسية بين بنشعي ومعراب، كان لا بدّ من وضع بعض النقاط على الحروف ونزع بعض من الصفات الأدبية والشعرية للقاء معراب والّتي هلّل لها المطربون وتريّث في شأنها دعاة المنطق والعقل.
ولذلك يدعو أصحاب الملاحظات الجوهرية الى التمعّن قليلاً في حقيقة أنّ ما جرى في معراب جاء متسرّعاً في مواجهة تفاهم «بيت الوسط – بنشعي» بعيداً من القول إنه إختصر المشهد المسيحي بكامله وإنّ المسيحيين والموارنة تحديداً تصالحوا وتوحّدوا، وما على البقية منهم إلّا أن يقفوا في الصف ليهلّلوا ويصفقوا ويؤدّوا فروض الطاعة لثنائية لم يتأخر أبطالها كثيرا للتهليل بأنهم توافقوا على قيادة «تسونامي» جديد يطيح بالجميع وأنّ الإستحقاقات المقبلة ستشهد على إختصارهم للوجود المسيحي في الإنتخابات البلدية والإختيارية والجامعات متناسين مصادر القوة التي جعلتهم على رأس أكبر كتلتين نيابيّتين مسيحيّتين انبثقتا في ظروف رافقت انتخابات العام 2009 بعدما انتظم كلٌّ منهما في محورين انتخابيّين،
فاستمدا من اصطفاف «8 و14 آذار» والانقسام السنّي – الشيعي الحاد قوة سمحت لتكتل «التغيير والإصلاح» و«التيار الوطني الحر» ضمناً باكتساح نحو 16 مقعداً نيابياً مسيحياً في جبيل وكسروان وبعبدا وجزين وبعلبك – الهرمل حيث الحليف الشيعي الأصدق تزامناً مع تشكيل كتلة نواب «القوات اللبنانية» من الجانب الآخر من الإصطفاف عينه.
فأضافوا الى مقعدَي بشري الثابتين ومقاعد البترون والكورة والشوف في ظروف معروفة ثلاثة مقاعد زحلية في ليلة من ليالي المساومات الإنتخابية السرّية التي لم يبتلعها بعد الزحليون الذين تنازلوا عن الإحتفال بذلك الإنتصار لأكثريّة سُنّية عبّرت عن تضامن لافت يوازي الصدق الشيعي في بقية الدوائر الإنتخابية الآنفة الذكر.
ورُبّ قائل، وتجاوباً مع شيء من الحقيقة لا يمكن حصر «الإنجازات» التي حقّقها طرفا «لقاء معراب» وحدهما على خلفية الإصطفاف السنّي والشيعي، فقد تشكلت كتلٌ نيابية حزبية أخرى في ظروف مماثلة لكنها لم تتنكر لتحالفاتها بعد ولم تدَّعِ التمثيل الحصري لطوائفها والأحجام التي يمكن أن تتغيّر وتتبدل في أيّ ظرف ولم يأخذوا المسيحيين رهينة مزاجية ومواقف هدّدت النسيج الوطني اللبناني في العمق لعقود من الزمن.
وفي هذا السياق تعتقد المراجع السياسية والروحية أنّ الوحدة المسيحية لا تتحقق بالشعارات الفضفاضة والعناوين البراقة التي يمكن أن ينسجها أيّ طرفين تحت عناوين شتّى تحاكي الغرائز بديماغوجية فائقة.
وأنّ الأخطر فيها والمرفوض مبدئياً أنّ لقاء معراب يسعى لقيادة المسيحيين الى آحادية تمثلهم بثنائية حزبية تعيش مسلسلَ أزمات داخلية نتيجة تجاهل كثير من ضحايا الحروب العبثية في ما بينهم، في وقت يتخلّى الشيعة عن ثنائية عاشوها لفترة طويلة الى نحو مزيد من الحرّية التي ميّزت العلاقات بين الأحزاب المسيحية. فأين بكركي ممّا حصل وما هو دورها؟ ألم تنصح بشمولية المشاورات وأهمية أن يخطو الجميع خطواتهم بالتنسيق والتكافل والتضامن في ما بينهم؟ وهل ستتأخر في الدعوة الى لقاء موسّع؟!