IMLebanon

هل صحيح أنّ «ولاية الفقيه» تحترم بشار؟

«لا خير في ودّ امرئ متملّق حلو اللسان وقلبه يتلهّب يهديك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب» مصدر الشعر مختلف عليه.

لقد حاول «ابراهيم آغا الكنج»، رئيس دولة اللاذقية العلوية سنة ١٩٣٠، وضع دستور لدولته فلم يجد نصاً شرعياً علوياً يمكنه استعماله كأساس للتشريع. عندها، لجأ إلى باب الإثنا عشرية وأرسل مبعوثين له إلى «قم» و«النجف» لتعلّم أصول الفقه الشيعي ليتمكنوا من بناء دستور دولتهم العلوية.

حسب شهود عيان لتلك المرحلة، فقد فشلت التجربة بشكل كامل، بعدما تعامل فقهاء قم والنجف مع المبعوثين تعاملهم مع الضالّين عن الدين، كما أنّ هؤلاء المبعوثين شعروا بنوع من الدونية تجاه المرجعيات الإثنا عشرية إضافة إلى الفروقات الهائلة بين معتقداتهم التي توارثوها عن أجدادهم، وتلك التي حاول تلقينهم إيّاها أحبار التشيع.

فشلت أيضاً محاولات العلامة «حسن الشيرازي» في «كشف أصول الإيمان العلوي وعلاقته مع التشيع»، عندما حط رحاله في سوريا ونشر الحسينيات في طول التواجد العلوي وعرضه.

والواقع هو انه من السهل لمراقب نمط حياة العلويين وثقافتهم أن يفهم استحالة ضمّهم إلى مشروع أصولي متزمّت وقاسٍ مثل مشروع ولاية الفقيه. لذلك، لم تبنَ علاقة عائلة الاسد مع ولاية الفقيه على أي عامل من عوامل التسليم بأمانة وإخلاص اطرافها تجاه بعضهما، بل بقيت مبنية على عامل الحاجة المتبادلة وتقاطع المصالح، مع حذر دائم من الطرفين وتنافس وصل إلى حدّ الصدام الدموي المباشر أو عن طريق أطراف محسوبة على كل منهما.

يكفي في هذا الإطار ذكر دعم الخميني ياسر عرفات في المواجهة مع حافظ الأسد في طرابلس سنة ١٩٨٣، ومن بعدها دعمه لسعيد شعبان وحركة التوحيد، ومن ثم ترك «حزب الله» حركة «أمل» المدعومة من الأسد لتغرق وحدها في حرب حصار المخيمات في بيروت. ونذكر أيضاً مجزرة حلّت بأفراد لـ«حزب الله» في بيروت في ثكنة «فتح الله» قامت بها المخابرات السورية.

أما المواجهة الكبرى فقد كانت في حرب «أمل» و»حزب الله» الدموية، والتي انتهت لاحقاً بانتقام الأسد بقبوله باتفاق «الطائف» الذي اعتبره «حزب الله» خيانة كبرى ومؤامرة «مارونية» حسب قول حسن نصر الله يومها.

قد يقول انّ تلك الأحداث من الماضي، وانّ اليوم الوضع تغيّر. لكن لو نظرنا بعين التحليل الوقائعي لرأينا أنّ الوضع اصبح أسوأ بكثير. صحيح أنّ تقاطع المصالح ما زال قائماً، وربما بشكل أكبر في ظل المتغيرات الهائلة التي طرأت من خروج القوات السورية، مروراً بالمحكمة الدولية، وصولاً إلى اندلاع الثورة السورية وتحوّلها إلى حرب أهلية. لكنّ عامل انعدام الثقة بقي هو المتحكم بين الطرفين.

لقد اعتبر بشار الأسد أنّ «حزب الله» خانه بشكل مباشر عندما اكتفى بحشد مناصريه في مظاهرة الثامن من آذار عام ٢٠٠٥، في ما سمّي «شكراً سوريا» مكتفياً بالوداع من دون أن يمنع خروجها بالقوة، والطعنة الثانية كانت بدخول «حزب الله» شريكاً في الحكم مع من تسبّبوا بطرد جيش الأسد من لبنان والمسايرة الشكلية في مسألة التحقيق الدولي والمحكمة في قضية اغتيال رفيق الحريري يوم كان نظام الأسد وأتباعه هم المتهمون الاساسيون في الجريمة.

ولا يخفى على أحد بعد، تقاذف كرة النار بين منظومة الأسد و»حزب الله» في تسريبات ميشال سماحة حول جريمة اغتيال رفيق الحريري إلى مجلة «درشبيغل».

ولمن لا يعرفون، فقد كانت في الـ»س-س» محاولة لبشار للتملّص من «الهيمنة الإيرانية على مواقع القرار في سوريا»، لم تستكمل لأسباب لا تزال غير واضحة، فقد تكون مؤامرة أحبطتها إيران مهددة بشار بوسائلها، أو تكون محاولة ابتزاز من بشار للسعودية وإيران في الوقت ذاته، أو ربما خدعة أسدية في الاساس لشراء الوقت والرهان على المتغيرات.

في أوائل سنة ٢٠٠٦، وأثناء لقاء في حارة حريك مع حسن نصر الله، وبعد سلسلة من النكات المليئة بالسخرية على المخابرات السورية أطلقها سماحته عن قلة كفاءتها وعن «عدم قدرتها لكي تنفذ جريمة متقنة مثل اغتيال الحريري»، قال بشكل جدي، وعلى شكل نصيحة أخوية لبعض نواب تيار «المستقبل»: «أنتم الآن تعوّلون على مواقف الولايات المتحدة الداعمة لكم، فماذا ستفعلون إن حصلت صفقة بين سوريا وأميركا؟ أليس من الأفضل لكم تخفيف حدّة مواقفكم والذهاب للتفاهم مع بشار الأسد؟».

أجابه أحد النواب: «سماحة السيّد هذا يعني أنكم لا تثقون أبداً بنوايا بشار الأسد، فإن كانت أميركا هي الشيطان الأكبر الذي يسعى إلى النيل منكم فسيكون «حزب الله» الطبق الرئيس بين بشار وجورج بوش»، سكت نصرالله ولم يعقّب.

اليوم، يخوض مشروع ولاية الفقيه معركة يائسة في سوريا، وقد فشل في تثبيت حكم بشار الأسد، وما دخول روسيا على خط الصراع سوى مؤشر واضح على هذا الفشل، ورهان إيران اليوم هو على كيفية تأمين مستقبل مستعمرتها في لبنان، أمّا الخطوط الحمر حول بشار، فما هي إلّا وسائل للمساومة عليه في مرحلة آتية يُعاد فيها رسم مواقع نفوذ جديدة للقوى المستجدة على الساحة الإقليمية، وسوريا الأسد لن تكون شريكة، بل هي الطبق الرئيس.