النائب وليد جنبلاط امهر من راقص الريح دون ان يهتز وعلى الرغم من التفاتاته الخطرة المعهودة، التي تعودها الاقطاب على الحلبة الداخلية ولكنهم لم يفهموا سرها على الاطلاق على حدّ قول اوساط مواكبة لايقاع المختارة، الا انهم وضعوا اصابعهم في الجرح معترفين للزعيم الدرزي ببعد النظر وان انطوى الامر على مكيافيلية لا ينكرها جنبلاط فالغاية لديه تبرر الوسيلة فكيف اذا كان الامر يتعلق بمصير الطائفة الدرزية ومصيره الشخصي.
لم يكن يمزح جنبلاط يوم اعلن ان العمل «كزبال» في نيويورك افضل له من العيش في لبنان ايام الوصاية التي طال عهدها، وربما منذ العام 2000، بدأ سيد المختارة بالقتال التراجعي مع ولاة عنجر لا سيما مع رئاسة رستم غزالة لجهاز الامن والاستطلاع والذي لم يكن وداً لابي تيمور الذي كانت خطوطه العسكرية رحبة في زياراته الدمشقية ولقاءاته مع من هم اعلى شأناً ومركزاً من والي عنجر ما حصنه من مواجهات كارثية معه، سرعان ما انفجرت الامور بين الرجلين على خلفية التمديد للرئيس اميل لحود الذي كانت تربطه به في تلك المرحلة علاقة قاتمة وثقيلة، فجنبلاط لم يغفر للحود اقتلاع تمثال والده الراحل كمال جنبلاط من قصر بيت الدين كما لم يغفر لحكم الوصاية اغتيال والده وفق اتهامه لهم، وربما ثأر له من خلال انشاء المحكمة الخاصة بلبنان التي بدأت جلساتها، فلا فرق لديه تأخر الثأر ام تقدم فهو يؤمن بان الثأر طبق يؤكل بارداً.
وتضيف الاوساط لقد فاجأ ما سمي «بالربيع العربي» جنبلاط قبل ان ينقلب على صانعيه واللاعبين بنيرانه. وكانت علاقته المرجحة حديثاً في تلك المرحلة مع دمشق لا تزال طرية، الا ان استشرافه للامور وما تجمع لديه من معلومات جعلته يتريث في اتخاذ موقف حيال المجريات في سوريا لا سيما وان دروز جبل العرب يقاتلون الى جانب النظام وربما آثر الحياد لولا العتب الذي سمعه على لسان المعارضة الدرزية مها الاطرش، فاضطر الى اعلانه الوقوف الى جانب المعارضة السورية ليرفع منسوب مواقفه التي وصلت الى حد اهدار دم الدروز الذين يقاتلون في صفوف الجيش السوري، ولكن موقفه ذلك لم يعطه من تكثيف قنوات الاتصال «بالجيش السوري الحر» لتأمين ممرات آمنة لدروز جبل العرب فمصلحة الطائفة لديه فوق كل اعتبار وهذا ما دفعه الى تكريس التوافق الدرزي الاستثنائي مع المير طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب في لعبة تقاسم ادوار لم تعرفها اية طائفة من الطوائف فلا يضيره ان يكون ارسلان ووهاب من داعمي النظام كما لا يعتبر الرجلان موقفه المعادي لدمشق فثمة قاسم مشترك بين الفرسان الثلاثة ينحصر في حماية الدروز في سوريا ولبنان واماكن تواجدهم في المنطقة.
وتقول الاوساط ان المعلومات المتوافرة لدى زعيم المختارة تشير الى ان الاحداث في سوريا لن تنتهي في الامد المنظور وان المنطقة برمتها تندفع نحو التقسيم او الفيدراليات المتناحرة من خلال تقاطع مصالح الامم والقلق الغربي من الاكراد التكفيريين على اوروبا واميركا على قاعدة طابخ السم اكله فلا عجب اذا نظم جنبلاط خلافه مع «حزب الله» لا سيما وان رئىس مجلس النواب نبيه بري يجمعه بالزعيم الدرزي روابط متينة وتاريخ مشترك وعلى الرغم من ذلك يبقي «البيك» لنفسه هامشاً من الحرية في التمايز عنهما على غرار علاقته بالرئيس سعد الحريري، فبين الرجلين خيط سرّي لا ينقطع ومحكمة دولية وشهادة النائب مروان حمادة التي دفعت المحكمة لطلب جنبلاط للشهادة امامها، وتسأل الاوساط، هل تكون شهادته قنبلة نوعية في المرحلة الاستثنائية خصوصاً وانها ستتضمن الكثير من الاسرارلا سيما تلك المتعلقة بالقيادة السورية وصراع الاجنحة في داخلها والذي ادى الى انتحار معظم اللاعبين الكبار فيها او مقتلهم من غازي كنعان الى اللواء آصف شوكت وجامع جامع، اضافة الى هروب عبد الحليم خدام ومصطفى طلاس ونجله مناف وتغييب فاروق الشرع، فجعبة «ابو تيمور» مليئة بالاسرار القاتلة وكان في طليعة اهداف دمشق وفق شهادة حمادة لجهة الاغتيال، وانه كان اول من نصح الحريري الاب بالذهاب الى الخارج منعاً لتصفيته، وهنا تكمن الكثير من الاسئلة عن مدى ارتدادات شهادة جنبلاط على الساحة المحلية الهشة.
كما سألت الاوساط هل تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير وتخلط الاوراق على الحلبة وتطيح بمقولة تنظيم الخلاف مع «حزب الله»، لا سيما وان جنبلاط لا يستطيع المواربة او المناورة او التزام الصمت أمام محكمة دولية عملها الكشف عن المستور في عظائم الامور في مرحلة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وهل كانت تصفية الحريري مقدمة تمهيدية لاشعال الحروب في سوريا والمنطقة، وما يجمع عليه المحللون ان مرحلة ما قبل شهادة جنبلاط هي غيرها بعد الادلاء بافادته المنتظرة امام العدالة الدولية.