كان عشرات الآلاف قد تجمعوا داخل الكاتدرائية العظيمة وفي الخارج في الساحة ليشاركوا حزناً على الضحايا وتضامناً مع أهلهم في مشهد إيماني وطني ليس مستغرباً بالمقارنة مع حجم الكارثة.
لم يحسم التحقيق الجنائي حتى الآن أسباب سقوط الطائرة، وإن كان تنظيم الدولة فرع سيناء قد أعلن مسؤوليته، وإن كانت التحقيقات تشير بنسبة تسعين بالمئة إلى عمل إرهابي من قنبلة زرعت أدّت إلى انشطار الطائرة.
مصر وروسيا تحاولان استبعاد فرضية العمل الإرهابي، كل منهما لأسبابها الخاصة، فمصر لا تريد خسارة سياحتها الغالية ولا أن يظهر ضعف أمن مطاراتها. في حين أن روسيا تريد أن تؤكد لشعبها أن حربها المقدسة في سوريا لن تؤثر على أمن مواطنيها.
دعونا من كل التحليلات الباردة والعلمية البعيدة عن العواطف الإنسانية، فليس هناك أبشع من إنسان مجرد من التعاطف مع الآخرين من بشر وحيوان وحتى نبات أو حجر منحوت عليه تاريخ أو عمران هو نتاج جهد وعرق البشر.
فكيف لا نتأثر ونتعاطف مع بشر أتوا إلى شرم الشيخ علّهم يخطفون لحظات السعادة ليعود ما تبقى منهم في أكياس لا يمكن التأكد بشكل دقيق من محتواها؟
ولكن بعضاً من الإحساس بالمسؤولية كان واضحاً في خلفية حملة التضامن الوطني الروسي، وربما بعضاً من الإحساس بالذنب عند أصحاب العقول المنفتحة، خاصة بعد إعلان البطريركية الموسكوفية بأن حملة فلاديمير بوتين في سوريا هي حرب مقدسة.
يعني أن حرب «داعش« المقدسة في سوريا سيواجهها البطريرك كيريل الأول بتكريسه الطائرات والصواريخ الروسية التي تنهمر فوق رؤوس سوريين غير عابئة بمن هو داعشي أو غير داعشي بأنها تحمل متفجرات مقدسة. ببساطة لم أجد فرقاً كبيراً بين إعلان كيريل الأول، وخطبة أبو بكر البغدادي في الموصل يوم أعلن حربه المقدسة على الصليبيين وعلى المرتدين.
بكل موضوعية، فإن حملة فلاديمير بوتين المقدسة على سوريا من جهة، وثبوت مسؤولية داعش عن تفجير الطائرة ستزيد حتماً من شعبية هذا التنظيم ليس في سوريا فقط، وإنما في أماكن أخرى فيها مسلمون يعتقد بعضهم فيها بأن التطرف ضرورة لإرهاب متطرف آخر يشن حملة عمياء ظالمة ومقدسة في الوقت ذاته على الإسلام والمسلمين.
منذ بضعة أيام جرت مراسم جناز رمزي في الكاتدرائية المريمية في دمشق، مقر بطريركية إنطاكية وسائر المشرق للطائفة الأرثوذوكسية، حداداً على أرواح ضحايا الطائرة الروسية، شارك فيه المساعد البطريركي وبعض الرسميين وأقل من عشرة اشخاص تناثروا في زوايا الكاتدرائية الانيقة، وكانوا على الارجح من أجهزة المخابرات.
أنا مقتنع أن الكنيسة تبغي الرحمة لكل البشر، وأعلم أن الحروب والقتل لا يمكن أن تكون مقدسة بغض النظر عن دين من يطلقها أو يباركها، المقدس الوحيد هو حياة البشر، وقد يأتي يوم تعود الرحمة فيه لتقرع أجراس الكنائس لمدة خمس وثلاثين يوماً دون توقف، أي مجموع ثلاثة ملايين ثانية، بمعدل عشر ثوان لكل ضحية، لذكرى ثلاثمئة ألف سوري مجهولي المذهب اسوة بضحايا الطائرة الروسية.
()عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»