كما كان متوقّعاً، تمكّن الكونغرس الأميركي من فرض تعديل جدّي على الآلية التي سيتمّ من خلالها التعامل مع نتائج المفاوضات الجارية مع إيران لإنهاء برنامجها النووي.
مشروع القرار الذي رفعته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الى الهيئة العامة للتصويت عليه، اعتُبر تسويةً للامر الواقع بين الرئيس باراك أوباما وخصومه.
في الشكل، أعاد القرار تعريف صلاحيات الهيئات الدستورية، عبر امتناع الكونغرس عن التدخل في صلاحيات الرئاسة التي يعود اليها عقد الإتفاقات الخارجية. إلّا أنه في المقابل اعطى الكونغرس حق رفض توقيع أيّ اتفاق، خصوصاً اذا كان بمنزلة المعاهدات، إذا تبين أنه يتعارض مع المصالح الأميركية، من وجهة نظر المشرّعين.
غير أنّ تراجع أوباما عن التلويح بإستخدام الفيتو الرئاسي لم يكن وليد اعتراضات داخلية فقط. فهناك مَن يتحدّث عن ضغوط خارجية فرضت عليه التريّث في دفع المواجهة الى أقصاها، في وقت تتجّمع معطيات سياسية دولية وإقليمية عدّة، تُنذر بتقويض الرهانات الإستراتيجية التي يعقدها سيد البيت الابيض في التعامل مع ملفات المنطقة.
لم يعد خفياً أنه يراهن على أن تؤدّي إيران مستقبلاً دورَ «الشرطي» في المنطقة، بعدما كرّس معادلة الإستقالة من التورط المباشر في أزماتها. إلّا أنّ حجم الإعتراضات التي تُوّجت «بعاصفة الحزم»، أعاد التذكير بأدوار لاعبين آخرين دوليين وإقليميين لا يقرأون في كتاب أوباما نفسه.
هكذا فٌسر كلام وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمام نظيره السعودي سعود الفيصل في الرياض، وتسريب ديبلوماسيين إنتقاداته و»احباطاته من سياسات أوباما غير المفهومة وغير المتوازنة».
يقول ديبلوماسيون إنّ فرنسا تتّجه اكثر فأكثر نحو التموضع في حلف سياسي في المنطقة، يمكنه أن يشكّل غطاءً للقوى المتضررة من السلوك الأميركي فيها، وإنّ تنسيقا سياسياً عالي المستوى يتمّ بين باريس وأنقرة والرياض.
ويرى البعض أنّ ترجمة هذا التموضع بدأ يؤتي ثماره، خصوصاً أنّ قرار إطلاق «عاصفة الحزم» في اليمن، إتُخذ في معزل عن واشنطن ومن دون التشاور معها.
وفيما أُجبرت إدارة أوباما على الإنحياز للسعودية في حربها ضدّ الحوثيين وجماعة علي عبدالله صالح، بدأت تتبلور تغييرات ميدانية في سوريا، في ظلّ تسريبات عسكرية في واشنطن عن إستعداد تحالف قوى المعارضة السورية الذي أسقط مدينة ادلب بدعم تركي، لإسقاط مدينة حلب ايضاً.
وتتحدّث المعلومات عن بدء قيادات عسكرية ومسؤولين ميدانيين وسياسيين في النظام السوري بترحيل عائلاتهم من المدينة نحوَ اللاذقية وطرطوس، مفسرين قصف حيّ السليمانية المسيحي والغارات الكثيفة على أحياء المعارضة، بأنها استعدادات للتخلّي عنها وإثارة الفزع في أوساط الأقلية المسيحية التي كانت لا تزال تقطنها لإرغامها على الرحيل ايضاً.
ويضيف هؤلاء بأنّ إنسحاب مقاتلي «الحرس الثوري الايراني» من جنوب سوريا وتمركزهم في العاصمة دمشق، يعكس هزيمة رهانات طهران، في وقت تتصاعد وتيرة التنسيق العملي بين الرياض وأنقرة لإعادة ترتيب المعارضة السورية، وهو ما عبّرت عنه ايضاً بيانات فك الإرتباط الأخيرة التي صدرت من تشكيلات «الجيش الحر» عن «جبهة النصرة» و»داعش».
ويشكّك كثيرون في الدوافع التي تقف وراء ترك محافظة الانبار فريسة في قبضة «داعش»، معتبرين أنّ هناك تواطؤاً أميركياً ـ إيرانياً لشيطنة «السنّة»، بهدف تصليب التحالف الموضوعي بين الطرفين، عشية توقيع الإتفاق النووي.
تقول أوساط أميركية إنّ التخوّف من إستبدال التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي في الدفاع عن المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، بتحالف مع أقلية كبرى قادرة ومتمكِّنة ولا تحتاج الى مَن يمدّها بالأمصال للبقاء على قيد الحياة وسط هذا البحر المعادي، قد يخرج الإسرائيليين عن أطوارهم.
وتخشى أن تُقدِم إسرائيل على قلب الطاولة من البوابة اللبنانية، معتبرين أنّ إقدامها على توجيه ضربة ضدّ المنشآت النووية الإيرانية لم يعد له ما يبرره، بعدما ألغى الإتفاق النووي هذه الضرورة.
وبما أنّ الصراع بات يتمحور حول أحجام القوى في المنطقة، فهناك مَن يعتقد أنّ الفرصة قد تكون سانحة لإسرائيل لشنّ عملية عسكرية لها ما يبرّرها في هذه المرحلة ضدّ «حزب الله» وتحظى بغطاء إستثنائي من المنطقة، بسبب الأخطاء التي ارتكبها خلال السنوات الاربع الماضية.
إنطلاقاً من ذلك، يرى بعض الأميركيين أنّ «الدول السنّية» تعمل على إستعادة المبادرة في تسديد الهزيمة لقوى الإرهاب المتمثلة بـ»داعش» واخواتها، بعدما نجحت دول الخليج في فرض معادلتها في اليمن وتوّجتها بقرار مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ما قطع الطريق على إيران في ربط مناطق نفوذها من العراق الى سوريا واليمن…