IMLebanon

هل يعود لبنان إلى الحضن العربي؟

 

لا تزال الأزمة الاقتصادية ترخي بثقلها على الداخل اللبناني، تارة من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار وشحه في الأسواق مع حركة سحب للعملة الصعبة من الأسواق وتهريبها حيناً، وعقوبات دولية حينا آخر حدّت من السيولة الخضراء وانسحبت على سائر القطاعات الحياتية كالبنزين والخبز المهددين باستمرار بالإضرابات المفتوحة اذا لم تتم معالجة مشكلة قبض التجار بالليرة وسداد فواتيرهم بالدولار.. اضافة الى ثوابت الأزمات من نفايات لوثت الأخضر واليابس ورفعت الفاتورة الاستشفائية الخاصة والعامة للمواطن، دون إغفال الكهرباء التي تعتبر أم الأزمات والفضائح التي تستمر  لسنوات دون مبرر مقنع لهذه المماطلة…

 

في حين تحاول السلطة السياسية لملمة الوضع واستعادة الودائع العربية التي غادرت المصارف اللبنانية نتيجة الخطاب السياسي الحاد لبعض الأطراف وغياب المعالجة الرسمية لتطمين المستثمر والسائح والمودع الخليجي على أمنه واستقرار استثماراته في لبنان. ومع الخطوات التي قام بها الرئيس الحريري نحو المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة، مدعوماً من المجتمع الدولي الذي لم يتخلَّ عن لبنان بعد، لرأب الصدع في العلاقات واستعادة الثقة بلبنان دولة ومؤسسات قادرة على حماية مصالح اخوانه، ولو انه مقصر في حماية مصالحه العليا، لا بد ان تتزامن الجهود الخارجية لرئيس الوزراء مع خطوات فعلية داخلية للإصلاح ، كون الشروط الدولية والعربية لتقديم الدعم المالي المطلوب لتجنب الهاوية باتت واحدة: وهي الإصلاح الفعلي وليس النظري ووضع حد للهدر والفساد والسمسرات التي نهبت الدولة وأعادت عقارب الساعة عقوداً من التخلف والانحدار المعنوي والمادي للبنانيين، وأضاعت كل تضحياتهم للصمود في أحلك الظروف في مهب عبثية الانتماء المذهبي وخدمة المنافع الخاصة، حيث قسمت المشاريع الانمائية الى حصص طائفية ضيقة تهدف لتعزيز الزعامة المذهبية والمناطقية مع غياب استراتيجيا عامة متكاملة لتحديث البنى التحتية المهترئة، والتي ضخت أموالاً جمة في خانتها ولكن سرعان ما تبخرت وبقي الحال على ما هو عليه!

 

إن صمود اللبناني المعنوي والاقتصادي خلال الحرب الدموية وبعد نكسة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والحلم بالنهوض الذي أخذه معه ، ونفض غبار حرب تموز والبناء من جديد وما تلاه من حرب في سوريا صدرت العديد من الارتدادات العسكرية والاجتماعية نتيجة تدخل حزب الله المباشر في هذا الصراع من جهة وملايين النازحين من جهة أخرى الذين حمّلوا الاقتصاد والبنى التحتية ما يفوق طاقتهم بأشواط، كل هذه الضغوط التي تحمَّلها اللبناني مصدقاً الوعود الرسمية بنهاية للأزمات وحلول للملفات سرعان ما اصطدمت بواقع سياسي رديء امتهن الغش ولم يستطع ترتيب أولوياته بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، فبقيت الأحزاب والتيارات هي الحاكمة على أرض الواقع مدجنة شتى سلطات الدولة لمصالحها الخاصة، حتى بات لبنان يحتل أولى المراكز العالمية للدول المصنفة بالفاسدة… والحديث عن الفساد والمفسدين يطول ولكن لا جدوى منه اذا لم يقترن بحلول وخطوات جدية لوضع حد له واستعادة الحد الأدنى من الثقة الدولية والعربية تحديداً، والتي  لطالما كانت السد المنيع في وجه سقوط الشقيق الصغير في هاوية الإفلاس والخراب، وتأتي فرصة مؤتمر الاستثمار السعودي  القادم نهاية اكتوبر حيث يفترض أن يتم التوقيع على ثماني عشرة اتفاقية ثنائية بين البلدين كنافذة مشرقة للخروج من نفق العزلة والحصار والانهيار المخيمين على الواقع الاقتصادي منذ مدة، ولكن لا بد من بوادر داخلية تواكب هذا الحراك حتى لا يتحول الى فرصة جديدية ضائعة، اولها اعلان حالة الطوارئ الاقتصادية فعلياً وليس بالشعارات عبر إصلاح قطاع واحد على الأقل وهو الكهرباء كونه الأكثر كلفة على خزينة الدولة والأكثر جدلية بسياساته، اضافة الى تفعيل اللجنة الإصلاحية في مجلس الوزراء والتي يفترض للبحث في الإصلاحات المواكبة للموازنة القادمة، حتى لا تقع بالمحظور كما حصل في الموازنة السابقة، حيث اقرت  سلسلة الرتب والرواتب بعشوائية دون تأمين التمويل الضروري لها ، فتحول البحث اليوم الى كيفية تعطيلها وسحب مفاعيلها كونها  تحمّل خزينة الدولة والمواطن على حد سواء ما يفوق قدرتهم …

 

هي رحلة صعبة ولكن غير مستحيلة اذا ما تخلت الطبقة السياسية عن ترف تراشق التهم وتحمل كل فريق مسؤوليته واطلق عجلة العمل الجدي بدلا من امتهان التعطيل والتشويش العبثي، لان ما آلت اليه الازمة الاقتصادية هو صنيعة الجميع دون استثناء ولا سبيل للخروج منه الا عبر استراتيجية تحمل كل فريق حصته من المسؤولية مع كل ما يعني ذلك من إلزام الجميع بواجباته الوطنية وأولوياته اللبنانية!