يقوم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بزيارة هي الثانية له كوزير للخارجية الى العاصمة الإيرانية طهران، والأولى بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني- الغربي، والتي تستمر ليومين، ويستهلّها بتمثيله لبنان في المؤتمر الذي يُعقد اليوم السبت حول الأمن تحت عنوان «مشروع برنامج اجتماع طهران التمهيدي لملتقى ميونيخ للأمن» بدعوة مشتركة من وزيري خارجية إيران محمد جواد ظريف وألمانيا فرانك شتانماير. يحضر المؤتمر وزراء خارجية عدة دول الى جانب ظريف وشتاينماير وباسيل، ويُشارك فيه وزير الخارجية اللبناني لما لهذا المؤتمر من أهمية بالنسبة اليه في الحفاظ على أمنه واستقراره في وجه التحديات التي تواجهه لا سيما موضوع الارهاب والمتطرّفين الرابضين على حدوده، على ما ذكرت أوساط ديبلوماسية مواكبة للزيارة، كما لفتح صفحة جديدة من علاقات التعاون والتبادل الاقتصادي بين لبنان وإيران.
وإذ تبدو الظروف اليوم مختلفة في طهران، لا سيما بعد توقيعها الاتفاق النووي مع العالم الغربي (أي مجموعة الدول الـ 5 + 1)، وفي ظلّ ما تشهده المنطقة من تغييرات جذرية ومفصلية، فضلاً عن القرار الروسي خوض المواجهة في وجه الإرهاب والتدخّل العسكري في سوريا لمؤازرة قوّات النظام، فإنّ الوزير باسيل سيستفيد من وجوده في طهران، على ما أضافت الاوساط، للاطلاع أكثر على الامكانات التي يمكن أن يستفيد منها لبنان لا سيما على المستوى الاقتصادي بعد الانفتاح الذي تشهده طهران على صعيد الاستثمارات. كما سيقوم بإجراء لقاءات ثنائية سياسية وديبلوماسية من أجل تطوير العلاقات على الصعد كافة، ويلتقي رجال أعمال لبنانيين ليقدّم لهم المساعدات اللازمة لنسج أفضل العلاقات بين الطرفين. ففي زمن العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران، حُرم لبنان التعاون الاقتصادي معها، ولهذا فالوقت اليوم أصبح مناسباً بعد رفع هذه العقوبات عنها لتفعيل هذه العلاقات أكثر.
وسيلقي الوزير باسيل كلمة بعد ظهر اليوم (في تمام الساعة 15.45 بتوقيت طهران) ، على أن يتكلّم في الجلسة الصباحية كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني (لم يتأكّد حضوره)، وزير الخارجية الألمانية، وزير الخارجية الإيراني، نائب رئيس الجمهورية ورئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي. وتُستأنف الجلسة المسائية بكلمة رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني (غير مؤكّدة)، تليها كلمات لكلّ من سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، والمستشار الدولي لقائد الثورة علي أكبر ولايتي، ثم يتحدّث وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري، فكلمة الوزير باسيل، ثمّ تركيا (وزير خارجيتها لن يحضر)، فوزير خارجية باكستان، يليه نائب وزير الخارجية الروسي (يمثّله مستشاره إيغور إيفانوف)، ليختتم المؤتمر بكلمة وزراء خارجية الدول المشاركة.
وستكون زيارة باسيل مناسبة للبحث في السبل التي تُساهم في إرساء استقرار أكثر في المنطقة لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، ومن خلال السعي الدائم للحفاظ على التنوّع في المنطقة والعمل على تطوّره وعدم اختفائه. وتنطلق الأوساط نفسها ممّا يقوله باسيل عن أنّ توقيع الاتفاق النووي سيُغيّر المعادلات في المنطقة والعالم، وسيشهد الأخير انتقالاً من حالة الجمود التي كانت سائدة بين محور الشرّ ومحور الخير، الى ديناميكية جديدة تحت عنوان مكافحة الإرهاب. ولبنان بطبيعة الحال سيكون ضمن محور الخير لأنّه قرّر المواجهة ومحاربة الإرهاب، وهو أمر ضروري بالنسبة اليه للحفاظ على رسالته كنموذج للتعايش في المنطقة، وكلّ طرف أو دولة يريد أن يكون جزءاً من المواجهة يدخل ضمن هذا المحور نفسه.
ولأنّ قرار روسيا بمحاربة الإرهاب ودعم كلّ من إيران والعراق و«حزب الله» لها لن يكفي للقضاء نهائياً على الإرهاب، تقترح الأوساط نفسها قيام حلف يضمّ عدّة دول، شرط ألا يكون شبيهاً بالتحالف الدولي الذي لم يعمل، بحسب رأيها، بجدية في مواجهة «داعش» وسواه من التنظيمات المتطرّفة في كلّ من العراق وسوريا. فيما يدعو الوزير باسيل، على ما أوضحت، لقيام جبهة تضمّ كلّ القوى المعتدلة السنية والشيعية والمسيحية والكردية لمحاربة الإرهاب، كون هذا الأمر يُشكّل مقدمة ضرورية لتعيش مكوّنات المنطقة بعضها مع بعض في مناخ من الحريات والتواصل والانفتاح.
هذا ويتبيّن بوضوح، بحسب ما ذكرت الأوساط ذاتها، أنّ إيران مستعدّة لتقديم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، الأمر الذي أكّده رئيس لجنة الامن القومي والعلاقات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي أمس الجمعة بعد لقائه وزير الخارجية، إذ شدّد على أنّ الأسلحة جاهزة لتقديمها للجيش اللبناني وهي الآن في المستودعات، في إشارة منه الى انتظار إيران للقرار الرسمي اللبناني بقبول هذه الهبة غير المشروطة أو رفضها، التي سبق وأن أبدى مجلس الوزراء امتعاضاً من قبولها خشية أن تكون مشروطة.
وبالنسبة لموضوع الأمن في لبنان والمنطقة، فتجد الأوساط أنّه سيجري بحث هذا الموضوع في المؤتمر بطبيعة الحال انطلاقاً من موضوع مكافحة الإرهاب، والأزمة السورية والتدخّل العسكري الروسي فيها، وانعكاسات ما يحصل هناك على لبنان. وفي رأي وزير الخارجية أنّ الأمن والاستقرار يعودان الى كون الغلبة على الأرض هي لمصلحة فريق لا يريد العبث بهما، في الوقت الذي لا يجرؤ الفريق الاضعف على التلاعب بالوضع القائم أمنياً خوفاً من الخسارة. ومن خلال موقعه السياسي لا يريد أن يكون في لبنان غلبة لطرف على أي طرف آخر، لا سيما أنّ مبدأ الشركة والمشاركة في الحكم يفرض علينا عدم استئثار أي طرف بالسلطة.