إقفال طريق الكاستيللو وحجب الإمدادات عن داعش والنصرة كانا بلا شك أهم الشروط الروسية لإنجاز الإتّفاق التركي – الروسي، وإقصاء مطالبة الأكراد بالإستقلال عن المشهد السياسي السوري كان بلا شك الشرط الأبرز لتركيا لإنجاز الصفقة. الإتفاق الذي أدّى إلى تطويق حلب وإطلاق ما أسماه وزير الدفاع الروسي عملية إنسانية في حلب سيُفضيان إلى عزل حلب عن الصراع دون اقتحامها، ضمن معادلة وقف إطلاق النار مقابل السماح بمرور المساعدات وخروج المدنيين.
المعارضة المعتدلة دفعت ثمن هذا الإتفاق، هي أيضاً كانت تستفيد من طريق الإمداد نفسه، ولم تأتِ العملية الإنسانية المزعومة على تحديد ممر آمن لخروجها من حلب أو تحديد آلية لفصلها عن داعش والنصرة !! ربما يجب انتظار ما ستؤول إليه توبة أبو محمد الجولاني وتغيير لون رايته السوداء واعتماد «علامة تجارية» جديدة، هل سينضم إلى قوات سوريا الديمقراطية أم سيلقي سلاحه وينسحب عبر أحد الممرات الآمنة؟
على المقلب الاميركي – الروسي، ووفق ما أوضح تقرير نشرته إحدى الصحف المصرية نقلاً عن مصادر إسرائيلية، فإن الوزيرين لافروف وكيري رفضا الكشف عن تفاصيل الإتفاق الذي تمّ التوصّل إليه باستثناء ثلاث نقاط: الإتفاق على توجيه ضربات جوية على الجبهة المرتبطة بتنظيم القاعدة مع الإحتفاظ بالحق في مهاجمتها بشكل منفصل، مشاركة القوات الجوية السورية في هذه العمليات، والتوقف عن قصف جماعات المعارضة المدعومة من الولايات المتّحدة. ربما هذا ما دفع بالمبعوث الدولي ستيفان دي مستورا الذي يُجري إجتماعات مكثفة في جنيف بمشاركة خبراء روس وأميركيين إلى القول أنّه يتوقع تحقيق تقدّم أكيد خلال جولة المفاوضات التي ستُعقد قبل نهاية الشهر الحالي. نجاح المفاوضات مرتبط بتثبيت وقف إطلاق النار وترسيم خطوط التماس بين الجيش السوري والمعارضة كمقدّمة لمباشرة العملية السياسية.
أولويات المرحلة المقبلة كما يبدو ستحدّدها أو ستفرضها مخرجات الجولة المقبلة في جنيف وفي مقدّمها قتال داعش والنصرة في شمال وشمال شرق سوريا، وستتوزع القوى الإقليمية المعنية بذلك تحت أحدى القيادتين الأميركية والروسية، في ظلّ وقف لإطلاق النار بين المعارضة والنظام الذي سيشارك في القتال تحت القيادة الروسية. يمثّل المشهد الميداني الحالي إحدى مقدمات هذه المرحلة فبينما يطوّق الجيش السوري مدينة حلب بدعم من القوات الجوية الروسية تنشّط قوات سوريا الديمقراطية في منبج وتحقق تقدّماً ملموساً بدعم من طيران التحالف. مشهد يعبّر عن أقصى حدود السوريالية في العلاقات الروسية الأميركية.
كيف سينعكس الإتّفاق الروسي الأميركي وبالتالي مخرجات جولة جنيف المقبلة على الساحة اللبنانية؟
الإشكالية ليست طبعاً بمشاركة حزب الله في القتال على الساحة السورية، فتلك مسألة تتعلّق بمستقبل الدور الإيراني في سوريا وهذا مرهونٌ بمعادلة النفوذ التي تُرسيها الولايات المتّحدة وروسيا. الإشكالية تتعلّق بوجود جبهة النصرة وربما داعش داخل الأراضي اللبنانية، ولا سيما في مرتفعات عرسال ورأس بعلبك ومشاريع القاع مع الإشارة الى أنّ هذه المناطق هي امتداد لريف دمشق الغربي وريف حمص الواقعَين تحت سيطرة الجيش السوري.
إنّ نطاق العمليات على الإرهاب لا يأخذ بعين الإعتبار الحدود السيادية، والحرب على الإرهاب في لبنان تجاور الحرب الروسية الأميركية على الإرهاب في سوريا، وهذا يفترض معايير موحّدة في التعامل مع الساحتين. التساؤل الأول الذي يطرح نفسه هنا: هل ستعتبر مقررات جنيف الساحة اللبنانية جزءاً من المهمة الدولية لقتال الإرهاب في سوريا، وبالتالي هل يدخل لبنان إحدى دائرتيّ النفوذ الأميركية أو الروسية؟ والتساؤل الآخر: من يُطلق معركة تحرير الأراضي اللبنانية من الإرهاب، ومن سيفرض نفسه شريكاً للجيش اللبناني في هذه المعركة التي تحتاج إلى قدرات كبيرة، وهل ستتحوّل الأراضي اللبنانية التي تحتلها جبهة النصرة إلى «مزارع شبعا جديدة»!! وكيف سيخرج لبنان من هذه الحرب وبأي ثمن؟
معادلة النفوذ الإقليمية الدولية على الساحة السورية ستطبع خيارات لبنان السياسية والأمنية وعلاقاته الخارجية وميزاته المجتمعية بعد انقشاع غبار الحرب. سوريا المبعثرة التي عبثت الحرب بمكوّناتها وتاريخها ودورها ووزنها الإقليمي، «سوريا اللادور» ستجاور عراقاً خرج من سياقه العربي وستتعايش مع حذرٍ تركيٍ يمتد لعقود بالإضافة إلى علاقة متوترة مع الأردن. استعادة سوريا مسألةً تتجاوز بكثير مسألة تغيير حاكمها.
فهل تقود إلزامات الجغرافيا ووطأة الظروف الدوليّة وقوى الأمر الواقع لبنان إلى دائرة النفوذ الروسي؟…..
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات