يترقّب لبنان الإستحقاقات الإقليمية بكثير من الإهتمام، نظراً لخطورتها والمخاوف من أن تولّد تداعيات سلبية على الساحة اللبنانية، وخصوصاً أمام القمم المنتظرة في مكّة أواخر الشهر الجاري، وصولاً إلى التحضيرات الجارية على قدم وساق لما يسمى «صفقة القرن»، والتي تحمل قلقاً من إمكانية طرح توطين الفلسطينيين في لبنان، وذلك في ظل تناقل هذه المسألة عبر الأروقة الديبلوماسية الغربية، وعلى المستوى الداخلي، باعتبار أن «صفقة القرن»، ووفق المعلومات الواردة إلى بعض المسؤولين اللبنانيين والذين يثيرونها في مجالسهم، تركّز على إيجاد دولة مستقلة للفلسطينيين، ومن الطبيعي أن القدس ستكون عاصمة إسرائيل، في حين أن هناك أجواء أن القدس الشرقية قد تكون تابعة للسلطة الفلسطينية، كما كانت الحال خلال نكبة فلسطين في العام 1948، حينما كانت القدس مقسومة ما بين غربية لإسرائيل وشرقية للفلسطينيين، ولكن بعد ضم الضفة الغربية والجزء الشرقي من القدس ضمن وصاية الدولة العبرية، فإن هناك تداولاً بهذه الصيغة على أن يبقى فلسطينيو الشتات حيث هم، ولا سيما في لبنان والأردن من خلال إغراءات مالية تقضي بتوطينهم في هذين البلدين، على أن يتكفّل المجتمع الدولي بمساعدتهم عبر إعمار مساكن بديلة للمخيمات على غرار الكانتونات في بعض الدول الأوروبية وتقديم الدعم المالي لهم في حقول الطبابة والتعليم والشؤون الإجتماعية.
ولكن، وأمام هذا السيناريو الذي يُعدّ في المطابخ الدولية، ولا سيما ما تقوم به الإدارة الأميركية، فإن السؤال المطروح هو ماذا عن لبنان وموقفه، وهنا تبدي المصادر المتابعة لهذه المسألة، مخاوفها من أن يدفع لبنان فواتير أمنية جراء تداعيات ما يمكن أن يحدث على غرار ما جرى في محطات سابقة عبر الإتفاقات التي حصلت بين السلطة الفلسطينية والأميركيين والإسرائيليين من خلال إشعال بعض المخيمات الفلسطينية شجباً لهذه التسوية، ومن هذا المنطلق يلاحظ أنه، ومنذ فترة ليست بعيدة، ثمة أجواء غير مشجّعة داخل المخيمات الفلسطينية من خلال حراك مسلّح ينذر بحصول تطورات متوقّعة، وذلك على خلفية الإستعدادات والتحضيرات والإستنفارات، تحسباً لأي إعلان سياسي قد يطلّ برأسه، وتحديداً تسويق صفقة القرن التي تحمل في طياتها مشروع التوطين، وهذا ما سيؤدي إلى تحريك فصائل فلسطينية مسلحة مناوئة للسلطة الفلسطينية، وتأتمر ببعض القوى الإقليمية واللبنانية.
من هذا المنطلق، سبق أن طرح أحد الوزراء منذ أيام داخل جلسات مناقشة الحكومة وخارجها، ما معناه ضرورة إنجاز الموازنة اليوم قبل الغد، وترتيب وضع البلد الأمني والإقتصادي، لأننا مقبلون على مرحلة صعبة، وفي حال استمر هذا النقاش العقيم حول الموازنة، ولم نصل إلى نتائج إيجابية وتوافقية، فإننا أمام منعطف خطير، ربطاً بما يحاك للمنطقة من مشاريع ورسم خارطة جيو ـ سياسية جديدة، وبالتألي، لن يكون لبنان بمنأى عنها.
لذا، تعتقد أكثر من جهة ديبلوماسية، أن مشروع التوطين بات أكثر جدية من ذي قبل، لأنه أحد مندرجات وعناوين «صفقة القرن»، ولكن السؤال الآخر المقلق، هو عما إذا كان لبنان سيقبل بهذه الطروحات، أو إذا كانت لديه القدرة على التصدي لهذه المسألة؟
في هذا السياق، يُنقل عن المتابعين لهذا المسار، بأن السلطة الفلسطينية تنسّق سياسياً وميدانياً ومخابراتياً مع الدولة اللبنانية بكامل مؤسّساتها الأمنية وأجهزتها، وهناك موقفاً عبّر عنه منذ فترة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام المسؤولين اللبنانيين، يؤكد من خلاله أن السلطة الفلسطينية لن تقبل إطلاقاً أن يوطَّن أي فلسطيني خارج فلسطين أكان في لبنان أو سواه، إنما ما يجري على مستوى المجتمع الدولي، وفي ظل هذه المرحلة التي تشهد التحوّلات والمتغيرات الإقليمية والدولية، فإن كل الإحتمالات واردة، وبالتالي فإن لبنان لن يكون بمعزل عن هذه التطورات.