في مرحلة التحضير لجلسة تشريعية للمجلس النيابي، تحت مُسمّى تشريع الضرورة، هناك نقطتان ينبغي أن تتم معالجتهما، الاولى تتعلق باقرار قبول هبات وقروض البنك الدولي، وهذا الأمر لا خلافات عليه. النقطة الثانية ترتبط بقانون مكافحة تبييض الاموال، وهنا تبدو الامور معقدة وغير محسومة تماماً.
تعقد اللجنة النيابية المصغرة المنبثقة عن اللجنة الفرعية المكلفة درس مشروع تعديل قانون مكافحة تبييض الاموال جلسة اليوم الاثنين في محاولة للاتفاق على صيغة نهائية للتعديلات المطلوبة على القانون لاحالته لاحقاً على الجلسة التشريعية التي يتم التحضير لها حالياً من خلال الاتصالات التي يجريها رئيس المجلس مع الكتل النيابية.
وبناء على المؤشرات التي توفرت حتى الان، يبدو ان الجلسة ستُعقد. لكن السؤال هل سيصبح مشروع تعديل قانون مكافحة تبييض الاموال جاهزا لكي يتم إدراجه على جدول الاعمال للإقرار؟
الاجابة على السؤال تنتظر الموقف الذي سيتخذه حزب الله من هذا المشروع المطلوب أميركياً ودولياً لئلا يتم إدراج اسم لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة في هذا المجال، بما يعني عملياً إخراج لبنان من الشرعية الدولية.
هذا الأمر قد لا يتحمله الاقتصاد المترنّح أصلاً، على اعتبار ان الاجراءات المتعارف عليها في هذا المجال، تقضي بمنع المؤسسات المالية اللبنانية من ولوج الاسواق العالمية والتحويل عبر المصارف حول العالم.
في المؤشرات المتعلقة بموقف حزب الله الذي عطّل في الاساس مشروع تعديل القانون لأنه لم يشأ في حينه إقرار بند التصريح عن نقل الاموال عبر البر، يبدو أن الحزب لطّف موقفه من المشروع، لسببين:
اولا- العلاقات الاميركية الايرانية التي أصبحت جيدة بعد الاتفاق النووي.
ثانيا- ان تطبيق القانون يساعد على مراقبة الاموال التي يمكن استخدامها لتمويل المنظمات الارهابية المعادية لحزب الله وفي مقدمها تنظيم «داعش».
لكن هذه المتغيرات قد لا تكون كافية، ذلك أن الحزب يدرك ان الولايات المتحدة الاميركية لم تغيّر أو حتى تُلطّف موقفها حيال ملف تمويل حزب الله.
بل ان الخزانة الاميركية ارسلت اكثر من رسالة ميدانية مفادها ان الموقف الأميركي حيال التشدّد مع ملفات تمويل الحزب أصبح اكثر صرامة بعد توقيع الاتفاق النووي، لعلّ آخرها إدراج اسم أحد رجال الاعمال على لائحة التبييض.
كذلك هناك دلائل أخرى على التشدّد الأميركي، من ضمنها ما سمعه وفد لبناني من قبل مسؤولين في ادارة الخزانة الاميركية، التي تتولى متابعة هذا الملف. اذ فوجئ الوفد بأن التشدّد الأميركي أصبح أقسى من السابق. وخاب ظن اعضاء الوفد الذين اعتقدوا ان مرحلة الانفتاح الأميركي على ايران قد تساعدهم على فتح خطوط مع ايران، من دون الخشية من التبعات.
بناء على هذه الاجواء، تجري مراقبة موقف حزب الله حاليا من تعديل قانون مكافحة تبييض الاموال. والجلسة اليوم قد تكون حسّاسة ومصيرية في هذا الاتجاه. لكن احتمالات إنجاز المشروع اكبر من ترجيحات الفشل، لأن منع إقرار هذا القانون قد يؤدي الى تسريع انهيار البلد اقتصادياً، وهذا الوضع يُفترض أن يُرغم كل الأطراف، بمن فيهم حزب الله، على العضّ على الجرح وإقرار التعديلات المطلوبة، إلا اذا كان الحزب لا يجد ضيراً في انهيار البلد، أو أن هذا المصير يخدم مخططاته بطريقة أو بأخرى، كما تقول أطراف سياسية على خصومة مع الحزب.
في هذا المجال، لا بد من التذكير بأن لبنان أصبح من الدول القليلة التي لم تُنجز هذا القانون كما هو مطلوب دولياً، وهذا الوضع لا يليق ببلد يتمتّع بسمعة جيدة على مستوى الخدمات المالية. وللمقارنة، تنبغي الاشارة الى أن السودان، البلد الذي توجد مذكرة جلب بحق رئيسه عمر البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بارتكابه جرائم ضدّ الانسانية في اقليم دارفور، أنهى تعديل قوانين مكافحة تبييض الاموال وفق المتطلبات الدولية.
وقد أعلن بنك السودان المركزي أن مجموعة العمل المالي الدولية قررت في ختام اجتماعاتها في باريس، في الثلاثين من تشرين الاول الماضي، إزالة اسم السودان من قائمة الدول التي لديها قصور في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما يسهّل التحويلات المالية بلا قيود.
وكانت السودان قد أجابت في ايلول الماضي على حزمة من الاستفسارات طرحها فريق دولي للتأكد من فعالية نظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البلاد، للتأكد من فعالية النظام القائم.
هل يبقى لبنان متخلفاً عن ركب الشرعية الدولية، ويفشل في امتحان اجتازته السودان؟