Site icon IMLebanon

هل يقع لبنان تحت سنابك الخيل الإقليمية؟ المطلوب إجراءات استثنائية لأزمة غير مسبوقة

عبّر رد الفعل السعودي الذي ترجم عبر إجراءات جديدة شملت دعوة الرعايا السعوديين الى مغادرة لبنان او عدم زيارته، عن غضب عميق لا يزال يتفاعل، حتى ان الموقف الذي اتخذه مجلس الوزراء قد لا يكون كافيا لحلّ الإشكالات الناشئة في العلاقات بين البلدين ومع الدول الخليجية الأخرى المتضامنة، وان الأمور لا يمكن حلها بعد تعبئة طويلة ومديدة للاحتقان السياسي مع هذه الدول عبر موقف بدا وكأنه أقصى ما يمكن ان يبذل على هذا الصعيد. الاجراءات مؤذية جدا للبنان حتى لو ان في الموقف السعودي تكرارا أو تأكيدا لمواقف سابقة. وقد يكون ممكنا بالنسبة الى كثيرين فهم رد الفعل السعودي والخليجي على بيان وزاري لم يعتبر كافيا أو مرضيا، حتى في رأي أفرقاء لبنانيين كثر عبروا عن ذلك لكونه لم يقدم جديدا يذكر. بل ان سبع ساعات ونصف ساعة من المناقشات حول بضع كلمات في بيان أعد سلفا من اجل تأكيد ما هو بديهي ووارد في الدستور اللبناني كما في البيان الوزاري، أمر كان محبطا حتى للبنانيين، خصوصا أن مدة المناقشات وطبيعتها قد تكون أظهرت بوضوح عدم صفاء النيات. فمسألة الانتماء العربي الى لبنان والتضامن مع القضايا والدول العربية كانت حتى الأمس القريب من البديهيات التي لا يتوقف عندها أي من أفرقاء الداخل، وكان يتم المرور عليها في البيانات الوزارية للحكومات المتتالية مرور الكرام، باعتبارها من المسلمات البديهية التي لا خلاف أو نقاش حولها. النقاش الذي حصل في مجلس الوزراء أخيرا حمل في طياته، بمعزل عن موجبات البحث فيه، أي من أجل محاولة رأب الصدع الذي حصل مع المملكة السعودية والدول الخليجية على وقع مواقف للسياسة الخارجية اللبنانية لم تتضامن مع المملكة، جملة عناصر. فهو كان بمثابة نقل للصراع الاقليمي الى طاولة مجلس الوزراء الذي تفادى طويلا البحث في اي مسألة سياسية قد تطيح الحكومة. يشعر سياسيون كثر بأن لبنان مهدد بأن يذهب تحت سنابك الخيل في ظل معارك اقليمية لن توفره، حتى لو لم تكن عسكرية. ولا داعي لأن يتوهم أحد أن وقف الاعمال العدائية في سوريا يعني أن هناك توافقا او اتفاقا اقليميا بين المملكة وايران يمكن ان ينعكس على لبنان، بل على العكس من ذلك تماما. ويدرك اللبنانيون اكثر من غيرهم على الارجح كم هدنة أعلنت قبل الوصول الى إنهاء الحرب في لبنان. كانت ولا تزال ربما هناك فرصة ليعزل الافرقاء السياسيون لبنان عن هذا الصراع عبر المساهمة في الاتفاق على إحياء المؤسسات الدستورية، بدءا من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن هذا لم يحصل، وليس أكيدا انه يمكن ان يحصل في اي وقت قريب لان ادراك مساوىء ربط لبنان بقرارات اقليمية او دولية لم يتعلم منه الافرقاء السياسيون شيئا، يا للاسف.

هناك مسألة داخلية لا تقل خطورة عن العجز في معالجة تداعيات القرار السعودي، وهو أمر قد يكون بديهيا لحكومة عجزت ولا تزال عن حل موضوع النفايات التي تملأ الشوارع وتسيء الى اللبنانيين جميعهم بكل طوائفهم ومشاربهم، من دون أن يشعر الأفرقاء السياسيون بالحاجة الى الاتفاق على حل لأزمة النفايات المذلة للبنان وشعبه، هذه المسألة هي طبيعة النقاش الذي حصل في مجلس الوزراء. هل هذا النقاش ينذر بأن يتصاعد العداء المذهبي وامتداداته الاقليمية، فتحدث فرزا في لبنان على هذا الأساس؟ هناك خطورة تلامس الواقع من خلال الانطباعات التي يتركها العداء الذي تثيره المواقف المذهبية الحادة التي يطلقها بعض القادة. وهناك من يرى خطورة كبيرة أن يحتاج الافرقاء السياسيون او الطوائف في الداخل الى البحث على طاولة مجلس الوزراء في وجوب أن يتضامن لبنان مع الدول العربية ومتى يفعلون ذلك. ففي هذه النقطة الاخيرة ينطوي صراع ليس على هوية لبنان فحسب، بل على النظام وطبيعته من خلفية التغييرات الجوهرية التي يتم استحداثها قسرا تحت عنوان مكاسب ما.

في نهاية الأمر، هناك ضربات متلاحقة تتوالى على لبنان، تصيبه على مستويات كثيرة وتهدد استقراره. بالنسبة الى البعض قد يسهل فهم ضرورة معالجة المسألة بالمقارنة مع استنفار أحدثته مثلا العقوبات التي اتخذها الكونغرس الاميركي ضد “حزب الله”. فرئاسة مجلس النواب شكلت وفدا ضم ممثلين لجميع الكتل النيابية في قوى 14 و8 آذار لزيارة واشنطن من اجل محاولة شرح تداعيات الموقف الاميركي في معرض الدفاع عن الحزب ومحاولة تبييض صفحته اميركيا، وهو ما كان ليضطر الى ذلك لولا القرار الاميركي الاخير. يضاف الى ذلك اعداد وزير المال حسن خليل العدة للتوجه الى واشنطن، وعلى جدول لقاءاته البحث في هذا الموضوع فيما كان ينتظر من زيارة لوفد من جمعية المصارف ارجئت بسبب العواصف التي ضربت العاصمة الاميركية اخيرا ان يثير هذا الموضوع ايضا على رغم ثقة المسؤولين اللبنانيين واقتناعهم بان لا خطر على النظام المصرفي اللبناني نتيجة اجراءات الكونغرس ضد الحزب. المقارنة يثيرها البعض من زاوية ان وقف المملكة مساعداتها للجيش لن يتهدد غدا واقع الجيش على المدى القريب بل ربما على المدى المتوسط او الابعد لكن هناك ما يتهدد لبنان كله وليس اي تنظيم او حزب لبناني فحسب، مما يفترض خطوات غير معهودة لرأب الصدع مع الدول الخليجية. إذ ثمة من يقول ان اسلوب المقاربة السعودية قد اختلف جذريا ومفهوم لبنان اختلف ايضا لدى المسؤولين السعوديين.