مقاربة من «8 آذار» للحيثيات المحلية والخارجية لإلغاء الهبات
لا تنفصل قراءة «8 آذار» للانفعال السعودي الذي تم التعبير عنه بوقف المليارات الأربعة المخصصة لدعم الجيش وباقي المؤسسات الأمنية اللبنانية، عن قراءة مجمل السياسات السعودية في المنطقة. ولذلك، يقول قيادي حزبي بارز في «8 آذار» ان السعوديين اتخذوا من الموقف الرسمي اللبناني الذي عبّر عنه وزير الخارجية جبران باسيل في القاهرة في الحادي عشر من كانون الثاني الماضي، والمتمثل بالنأي بالنفس عن البيان الوزاري العربي بشأن إحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد «ذريعة للمباشرة بتنفيذ سلسلة قرارات متخذة منذ فترة، لاعتبارات موضوعية متعددة بينها الحاجة إلى سيولة مالية بعد حرب اليمن التي تكلّف المملكة نحو مئة مليون دولار يوميا، فضلا عن تداعيات الهبوط الدراماتيكي لأسعار النفط، من دون إغفال البعد المتمثل باستمرار الاحتجاج السعودي على التفاهم النووي، ومحاولة تعويض الضربات المتتالية في أكثر من ساحة إقليمية، وخصوصا في اليمن وسوريا والعراق».
وبتقدير القيادي المذكور، فإن السعوديين رأوا أن «تأثيرهم في لبنان صار متواضعا جدا، وهو في تراجع مستمر، ليس فقط بسبب استمرار تراجع حلفائهم، وخصوصا «تيار المستقبل» لأسباب سياسية ومالية وخدماتية، بل بسبب قدرة طرف محلي («حزب الله») على المساهمة في تغيير معادلات اقليمية (في اليمن وسوريا) بينما لا تمون المملكة على حلفائها في مجرد إصدار بيان تضامن معها».
اذا تم استرجاع تاريخ الهبة السعودية الأولى (الثلاثة مليارات دولار)، «فإن النية السعودية المضمرة، هي استخدامها في مواجهة فريق لبناني تحت عنوان ضبط الحدود ومنع تدفق المقاتلين الى سوريا، ولاحقا جاءت هبة المليار دولار، تحت عنوان ضرب الارهاب، وعندما وجدوا ان الهدف الأول لم يتحقق أحجموا عن السير بالهبة، إضافة الى اندلاع الخلاف في الأسرة السعودية الحاكمة حول مصدر الهبة الثانية (مال الملك عبدالله الشخصي وبالتالي ورثته أم مال الديوان أي الدولة)، وهذا الخلاف ارتد على لبنان»، يقول القيادي البارز في «8 آذار».
يستبعد فريق «8 آذار» ان يكون السبب وراء وقف الهبة هو عدم الإفراج عن «أمير الكبتاغون» عبد المحسن بن وليد آل سعود، لأنهم لو ضغطوا لتسلمه لكانوا نالوا مرادهم تماما كما حصل مع المتهم السعودي الأوّل بتفجيرات الخبر أحمد المغسل الذي نصب له فرع المعلومات كمينا في مطار بيروت ونقله من طائرة الى اخرى في المطار وسلمه للسعودية من دون علم الدولة اللبنانية، على قاعدة «العبور الى الدولة»، شعار «تيار المستقبل» التاريخي»!
لذلك، يرى القيادي نفسه «ربما كان الامر اقل ضررا على فريقهم السياسي لو اتخذ القرار قبل عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، أما أن تُرمى هذه الورقة في وجهه بعد عودته، فهذا يعني ان التوقيت ليس بريئا، وربما يتم وضعه في سياق الصراع الداخلي السعودي، تماما كما حصل في اليوم التالي لمبادرة ترشيح رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، حيث أعلنت السعودية عن وضع عدد من اللبنانيين (15 شخصا) على لائحة الارهاب كما أسقطت «المنار» عن القمر «عربسات» ومحاولة استصدار قرار دولي يعتبر «حزب الله» وحركة «أمل» و «حزب البعث» تنظيمات إرهابية».
يختم القيادي نفسه ان لبنان صار ضحية عوامل متداخلة من فشل سعودي في الساحات المتفجرة في المنطقة الى صراع داخلي في المملكة وصولا الى الفشل في لبنان، فـ «اذا كانت السعودية تريد من وراء الضغط الذي تمارسه على لبنان فرض وقائع معينة، نقول لهم سلفا ان هذا الاسلوب سيرتد عليكم كما ارتد سابقا في العراق واليمن وسوريا وفي الساحة الفلسطينية».