Site icon IMLebanon

هل يحتاج لبنان إلى نظام جديد أم تجديد النظام؟

في رثاء السياسة والديموقراطية والرفاه الاقتصادي

هل يحتاج لبنان إلى نظام جديد أم تجديد النظام؟

تنشغل الطبقة السياسية في تبعات التوافق بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية». تتابع، وتجر معها الشعب اللبناني، الى متابعة وتحليل مواقف الاحزاب والسياسيين في موضوع رئاسة الجمهورية. هل آن أوان الرئاسة؟ من سيكون الرئيس؟ ما هي «الأبعاد الاستراتيجية» و «الفوارق البنيوية» ما بين ترشيح ميشال عون وسليمان فرنجية؟ هل «السلة» قبل الرئاسة ام الرئاسة أولا تليها «السلة»؟ ما رأي الفاتيكان؟ وأي اتفاق توصل اليه كل من فرانسوا هولاند وحسن روحاني في ما خص «البلد الصديق»؟ هل اتفقت «الاجنحة» السعودية على رئيس للبنان ام تكسرت تلك الاجنحة على صخرة التلاقي الاميركي ـ الايراني؟

اسئلة «كبيرة» يتجند كثر للاجابة عليها والغوص في تحليلها واعطاء الاجوبة القاطعة عليها. أما السياسة وترجماتها كمشروع بناء دولة المواطنة والديموقراطية وترسيخ فكرة العيش معا بسلام، أما العمل الجاد للخروج من مستنقع الطوائف وذهنية الاستقواء والاحتكام الى القانون والدستور، فتلك «ايديولوجيات بسيطة» لا ينشغل بها أحد. أما غياب المياه عن المنازل في فصل الشتاء والمعاناة المتواصلة من الكهرباء وازدياد المسرطنات في الاجواء بسبب النفايات التي تأكل البلد، أما الفساد والاهتراء المعشعش في الدولة ومؤسساتها، أما البطالة والفقر وتراجع النمو والاقتصاد المترنح… فتلك قضايا «تافهة» لا ينشغل فيها سياسيو البلد، ولا حتى الكثير من ناسه.

يبدو البلد للناظر اليه من داخل وكأنه يتآكل على كل المستويات. سقطت السياسة بإقرار وتسليم كاملين من معظم الطبقة السياسية التي تراقب اشارات الخارج وتنتظرها لعلّها توفق في تحقيق ارجحية في الداخل. مآل الحراك المدني يدعو الى الاسف والاسى وسقوط اي رهان على انتفاضة مدنية ما. أما الوضع الاقتصادي وهشاشته، فليس ابلغ من التأشير اليه سوى «انجاز» التوافق على زيادة ربطة الخبز خمسين غراما بعد التراجع الهائل في اسعار النفط!

الى اين من هنا؟ للسياسيين على اختلاف توجهاتهم أجندة وخارطة طريق. لفريق، تبدأ اولى الخطوات بانتخاب رئيس للجمهورية، وكأن الرئيس العتيد سيغيّر لوحده الوقائع ويبدّل المعادلات الداخلية والاقليمية.

لفريق آخر، لا بد من سلة متكاملة من شكل الحكومة ورئيسها مرورا ببيانها الوزاري وصولا الى قانون الانتخاب. وكأن اللبنانيين لم ينقضوا سابقا تعهداتهم وتوافقاتهم في لحظة متغيّرات كبرى او مصالح صغرى.

وبين هؤلاء واولئك، ثمة طبقة تندثر وتتراجع. تدريجا ينسحب الشباب المستقلون من السياسة. شباب من كل الطوائف، يشعرون انهم معنيون بالبلد وحاضره ومستقبله، لكنهم يختارون الانكفاء، او في حد اقصى الخوض في الدفاع عن قضايا اجتماعية من البيئة الى حقوق المرأة وصولا الى الحرية الفردية وسواها.

لم تكن هذه هي الحال حتى في زمن الوصاية السورية، خصوصا في البيئة المسيحية. ففي ذلك الزمن تشكلت عشرات مجموعات الفكر. عقدت عشرات اللقاءات والحوارات ومحاولات اعادة الروح الى فكرة الدولة والعمل السياسي والمؤسساتي. حتى الجامعات، تحديدا الجامعة اليسوعية، وبدرجة أقل جامعة الروح القدس في الكسليك والجامعة الانطونية، انخرطت في ذلك. أُريدت إعادة الاحترام للعمل السياسي الوطني والقدرة على التأثير والتغيير. صحيح أن معظم هذه اللقاءات انتهت كل واحدة لاسباب متنوعة وإن متشابهة، الا أن الاكيد أنها أبقت حيوية سياسية ورغبة في الانخراط لدى شريحة مؤثرة من الشباب الطامح الى تغيير ما.

اليوم تحتكر الاحزاب الطائفية السياسة في لبنان. الى جانبها يصارع سياسيون تقليديون للابقاء على ارثهم وتوريثه للابناء. فيبدو العمل السياسي وكأنه يُطْبِق على الأنفاس. لا فكرة جديدة. لا مقاربة مختلفة عن الموروث. افتعال قضايا وتضخيمها وإلهاء الناس بها قبل اختراع اخرى جديدة والعود على بدء.

يتبادل اللبنانيون بين فينة واخرى تهمة «تغيير النظام» على خلفيات طائفية وفق حسابات عددية او عسكرية او اقتصادية. لكن ماذا عن تجديد هذا النظام؟ ماذا عن ترشيقه؟ ماذا عن لملمة ما تبقى من روح فيه؟

ربما حان الوقت لاعادة «شدشدة» الدولة على اسس حديثة، والا لن يبقى لنا الا رثاء وطن هجرته كل مقومات الاستمرار في السياسة والاقتصاد والاجتماع.