IMLebanon

هل لبنان من الكوكب الأرضي؟

مجلس النواب، الذي يفترض انه يمثل مصالح البلاد والعباد، اعتاد الغياب عن التشريع فترات تطول أو تقصر بحسب تشابك القضايا العامة واختلاف مواقف الافرقاء السياسيين والمذهبيين منها.

تأثير هذا الوضع، الناتج من التمسك نظرياً بمستوجبات التوافق، بعد اتفاق الطائف الذي انقضى على توقيعه 26 عامًا أي ما يماثل انقضاء جيل، ان القوانين لا تستصدر في مواعيدها وان اعمال انشاءات البنية التحتية أو حتى صيانتها تحتاج الى زمن طويل، تتفاعل خلاله الحاجات وتشتد الازمة المتعلقة بانجاز الاعمال المنتظرة سواء في نطاق انتاج الكهرباء، توزيع المياه، ضبط السير، تطوير تقاطعات الطرق، المحافظة على النظافة، تطوير برامج التعليم الخ…

اعتياد تأخير المصادقة على مشاريع القوانين، وتغيب مجلس النواب عن حياة اللبنانيين وحاجاتهم فترات طويلة، أدى الى اهمال مشاريع قوانين مالية ضرورية مطلوب اعتمادها من هيئات دولية نشارك في عضويتها والتزام قراراتها. وقد حصل الاتفاق بعد جهد جهيد، وتنازلات لافرقاء سياسيين توافقوا فجأة بعد فترات جفاء طويلة.

الحمد لله حظيت القوانين بالتوافق واستصدرت من رحم الازمة التي كانت ستنشأ لو كان هناك تأخر اضافي، وصور الامر وكأن لبنان حقق معجزة، وكل ما في الامر ان النواب تفادوا وضعاً مأسوياً كان في حال استمراره سيؤدي الى تجميد معاشات موظفي الدولة، وزيادة مصاعب القطاع الخاص الى حدّ تعجيزه، مع العلم أن سنة 2015 شهدت تقلص جميع مؤشرات تحقق نمو على أي صعيد. وكان لبنان سيصير خارج الفلك الدولي بالنسبة الى الانتظام في تنفيذ اتفاقات قانونية دولية تسعى الى الحد من تبييض الاموال وتمويل الخدمات الجهادية.

اتفاق النواب على استصدار القوانين حصل بعد مأساة الطائرة الروسية التي تسببت بوفاة 224 سائحًا بينهم أطفال فوق الصحراء المصرية وقد ظهر ان العمل اجرامي تمثل في دس قنبلة موقوتة ما بين حقائب المسافرين الى بلدهم بعد تمضية عطلة في شرم الشيخ المنتجع السياحي الآمن سابقًا.

بعد قرارات النواب ومصادقتهم على مشاريع قوانين اعادتنا الى الحظيرة الدولية، واجهنا اجرام الاحزمة الناسفة والدراجات المفخخة في منطقة برج البراجنة بالضاحية الجنوبية وخسرنا عشرات الارواح من الابرياء الممارسين أعمالهم أو القاصدين بيوتهم أو المتوجهين للصلاة، وتبعت هذا التفجير الاجرامي الارهابي فاجعة احداث باريس وخسارة أرواح اكثر من 130 انسانًا بريئًا على ايدي الارهابيين الذين لا يدينون بأي انتماء لروح الاسلام.

يبقى لبنان، في سعيه الى تعويض خسائر الماضي القريب والتي تتمثل في هجرة الشباب، وانسداد الآفاق داخليًا، وانحسار الاقبال السياحي والاستثماري على البلاد، وفقدان التفاهم الكامل بين مختلف الافرقاء الامر الذي يؤدي الى سيادة الاطمئنان، بعيدًا من تحقيق ما يطمح اليه شبابه. وقد أظهر الشباب اللبناني في حركة “طلعت ريحتكم” تجانسًا في المطالب وصدقية في طلب التشريع الحديث والمثابرة النيابية، كي لا نخسر ما تبقى مما يسمى النظام الديموقراطي البرلماني، وربما باتت كلمة الديموقراطية مغيبة عن التعبير الثلاثي الاكثر استعمالاً لدى النواب المغيبين حقًا عن حاجات اللبنانيين.

نقرأ في عدد “النهار” ليوم الخميس تاريخ 18/11/2015 مقالاً لخبير لبناني – أميركي مفترض عن موضوع النفط والغاز في لبنان، والمقال لا يوفر معلومة أو رأياً لم يطرح في مناقشات عشرات منتديات البحث في امكانات النفط والغاز في لبنان، وتالياً لا يشكل انتقالاً في البحث والتحليل، والامر المحيّر ان لدينا هيئة تألفت للإشراف على شؤون النفط، سواء على صعيد الدراسات والتوصيات، وربما مستقبلاً على صعيد التنفيذ.

تشكيل الهيئة استند الى الاعتبارات المهنية والمضرة أي التوزيع المذهبي بين الاعضاء الستة، وزاد البلبلة ان رئاسة الهيئة تولى لأحد الاعضاء كل سنة، وتالياً لا استمرارية في القيادة، وقد شهدنا منذ سنتين تحركًا على صعيد التصورات والتوجهات لمحادثات انجاز اتفاقات بحث وتنقيب عن النفط، وكان ذلك حصيلة رئاسة مهني مقتدر للهيئة هو الدكتور ناصر حطيط الذي يحوز خبرة تفوق الـ32 عامًا في مختلف مجالات انتاج الطاقة، سواء في أوروبا، الولايات المتحدة أو روسيا.

منذ بداية 2015 باتت الرئاسة معقودة لعضو غير فني وفي الوقت ذاته شهدنا انخفاض اسعار النفط والغاز عالميًا وتقلص الاهتمام بعقود البحث والتنقيب، واكتشاف كمية كبيرة من الغاز في المياه الاقليمية المصرية قبل بضعة اشهر على يد شركة تحوز حقوق التنقيب والانتاج منذ سنوات، والاهتمام بامكانات لبنان صار أقل من السابق والتشريعات التي تجيز انجاز العقود مؤجلة ولبنان يبقى في غرفة العناية الفائقة، من دون انبزاغ الامل لشبابه، ومن دون تحقق الشروط الصحية لمواطنيه، وسيادة الامن والقانون، ومن دون ومحاسبة للمسؤولين عن اعمالهم وعن اغفالهم لمسؤوليات التشريع والادارة، والتأكد من نفاذ القوانين من دون استئثار أو تمييز.

اذا فقدت معايير التحقق من الانجاز الاجتماعي الاقتصادي في أي بلد تكون النتيجة تدهور البلد عن المستويات التي حققها، والبلدان باتت تتنافس في تأمين فرص جذب أصحاب الاعمال والكفايات، ولبنان غائب كليًا عن الانجاز وتوفير الاطمئنان الى سيادة القانون والمحافظة على حقوق الناس ولا نقول ارواحهم لأننا ندرك ان المسؤولين الامنيين في الاجهزة الرسمية والحزبية يستشعرون اهمية سيادة الامن والاطمئنان، وان كانوا عاجزين حتى تاريخه عن تأمين هذه النتيجة. وللمشككين في جدوى اقرار قوانين محاربة تبييض الاموال وتجفيف التحويلات للجهاديين، نقول استفيقوا الى ما يعانيه العالم.