2005 – 2015. عشر سنوات لبنانية بلا عسكر سوري. عظيم. لكنّ سوريا بقيت موجودة أينما كان. وبعد عنادٍ مستديم في رفض محاورة النظام السوري، هناك أسئلة بدأت تُطرَح في الكواليس: هل يمكن للبنان أن يستمرَّ معانداً… إذا تراكمت الظروف التي تدفعه إلى القبول؟
يتزايد الكلام في العديد من الأوساط السياسية اللبنانية على انزلاق لبنانيّ محتَمَل، تدريجاً، في إتجاه الإنفتاح على نظام الرئيس بشّار الأسد، بعد قطيعة دامت سنوات. والقطيعة في أيّ حال كانت «نسبيّةً»، بفضل إستمرار العلاقات الديبلوماسية وغير الديبلومسية مع النظام.
وخلالَ السنوات العشر، إنقسم اللبنانيون في الرهان على تقطيع الوقت في هذا النوع من العلاقات مع النظام، أيْ التعاطي في الحدّ الأدنى، وتحت سقف الأمر الواقع. فحلفاء سوريا إرتضوا هذا «الدوز» من العلاقة لمراهنتهم على تطويرها لاحقاً. وكذلك ارتضاه خصومها مرحَلِياً.
لكن، وفي قالَبٍ من السخرية المريرة، يمكن القول إنّ اللبنانيين مصرّون على رفض العيش بلا وصاية تديرهم. فها هم بلا إنتخابات نيابية ولا رئاسية ولا حكومة فاعلة… ومختلفون حتى على المختار والناطور في آخر ضيعة، ويراهنون… حتى في اليمن!
ومن هذه النافذة، لا يفقد الأسد «أمله» في إستعادة أيّ شكلٍ من أشكال الوصاية على لبنان، ولو عن بُعد، وتصحيح بعض «الخطأ» الذي وقع في 2005 وأدّى إلى إنسحابه… خصوصاً أنّ حلفاءه تسلَّموا السلطة في السنوات الأخيرة.
وتحقيق «الأمل» الدمشقي قد يبدأ بانفتاح السلطة اللبنانية على النظام، و14 آذار في داخلها. وثمّة نوافذ يمكن أن ينفذَ منها النظام السوري لدفع لبنان إلى الإنفتاح عليه:
1- إنّ الإتفاق على الملف النووي بين إيران والغرب سيريح طهران إقليمياً، ويريح الرئيس السوري وسائر حلفائها. ولأنّ الأسد سيبقى مُمسِكاً بغالبية سوريا على الأقل، فالقوى الإقليمية ستُضطر إلى التعاطي معه مجدَّداً، ومنها لبنان الرسمي.
وصحيحٌ أنّ «حزب الله» حليف لإيران. لكنّ طهران تبقى الحليف البعيد جغرافياً، وأما الحليف اللصيق فيبقى الأسد الذي يدافع عنه «الحزب» بالدم. ويوماً ما، قد يتبرّع الأسد بالإشارة إلى حلفائه اللبنانيين تسهيلَ العملية السياسية، ويقبض الثمن أينما كان.
2- يتعثّر لبنان في حلِّ أزمة النازحين. وعلى رغم التراجع في منسوب التدفّق، فإنّ إستحقاقَ المواجهة مع الملف سيأتي يوماً، بعدما بلغ هؤلاء نحو 50% من اللبنانيين. وعلى الأرجح، ينتظر النظام أن يفتح لبنان الرسمي معه مفاوضات حول هذا الملف.
3- يواجه لبنان إرهابَ «داعش» و»النصرة» في بقعة جغرافية واسعة تضيع فيها الحدود اللبنانية- السورية. وهناك ترابطٌ موضوعي في المعارك التي تندلع بين الجيش السوري وهذين التنظيمين من جهة، وتلك التي يخوضها الجيش اللبناني معهما. وربما ينتظر الأسد من لبنان طلب الدعم العسكري أو التعاون في المواجهة.
4- إستطراداً، يُصرُّ خاطفو العسكريين اللبنانيين على ربط ملفهم بملف محتجَزين ومحتجَزات في السجون السورية. واليوم، هناك خطوطٌ مفتوحة عبر أقنية معيّنة لإطلاق العسكريين. ويرجَّح أن يستفيد النظام السوري من أيّ تسوية محتَمَلة لإطلاقهم.
5- بدأت تطلّ ملامح أزمة إقتصادية على خلفية إنقطاع الطريق التجاري إلى الأردن عبر الجنوب السوري. وقد يَظهر أنّ النقاش مع النظام في الإقتراحات البديلة هو الأرخص ثمناً.
هذه العوامل، كلّها أو بعضها، تُرشِّح لبنان لإنهاء قطيعته- النسبيّة- للنظام السوري. وقد تكون الأزمة الناشئة عن نقل تلفزيون لبنان الرسمي مقابلة السيد حسن نصرالله عن الإخبارية السورية إشارة مهمة في توقيتها ودلالاتها. فطوال 10 سنوات، لم ينقل تلفزيون لبنان مقابلة لـ«شقيقه» السوري. فمَن أوعز، ومَن غطّى عملية النقل المفاجِئة للجميع؟.
ربما ستظهر خطوات تبلور المشهد أكثر. وليس على المصدومين الدائمين أن يبقوا في حال الصدمة. آن لهم أن ينزلوا من أبراج الصدمة إلى أرض الواقع.