IMLebanon

هل وصل الموارنة إلى طريق مسدود؟

غياب البطريرك وتغييب الرئيس

هل وصل الموارنة إلى طريق مسدود؟

غادر البطريرك بشارة الراعي الى روما لنحو ثلاثة اسابيع. قبله، تحديدا منذ 256 يوما، غادر رئيس الجمهورية قصر بعبدا الذي سكنه الفراغ. بناء عليه، سيحتفل الموارنة بداية الاسبوع المقبل بعيد شفيعهم مار مارون بغياب «بطريركهم» و «رئيسهم».

ما كان لهذا «التفصيل» ان يكون مهما لو ان واقع الموارنة، وسائر المسيحيين بخير.

«لبنانهم» تجربة تكتب فصولها الاخيرة. لا تنفع المكابرة. لبنان يتحول إلى شيء آخر غير الذي حلموا به او حتى عاشوا بعضا من حلمهم فيه.

من المواقف القليلة التي كانت تثير غضب واستياء «البطريرك الدائم» نصرالله صفير، تعاطي بعض السياسيين الموارنة بخفة مع لبنان، من اصغر شؤونه الى أكثرها أهمية. كان يستاء لان هؤلاء يتعاطون مع لبنان الذي خبروه وكأنه معطى ثابت غير قابل للاهتزاز او الزوال. وهم «يتناسون انه ثمرة نضال طويل استغرق قرونا عدة واختلط فيه مرارا العرق بالدم. وان موارنة اليوم لا يعرفون ان آباءهم اشتهوا ان ترى عيونهم ما يرونه».

وعلى الارجح، سيشتهي ابناؤهم ما اشتهى اباؤهم. فلبنان الدولة المشتهاة يتفتت على صخرة تهاوي المؤسسات واحدة تلو اخرى. فلا دستور يُحترم ولا شغور يُعبأ من رئاسة الجمهورية حتى آخر وظيفة في حرس بلدي.

اما الديموقراطية، كلمتهم الاثيرة بعد الدولة والمؤسسات، فقد تسابقوا الى هيل التراب عليها داخل احزابهم وكنائسهم ومجتمعاتهم، قبل ان يرثوها في قانون انتخابات «ارثوذكسي»، ليدفنوها لاحقا عبر تسليمهم بإلغاء الانتخابات.

كثيرة هي هواجس المسيحيين ومخاوفهم. من سلاح هذا الفريق الى مال ذلك الفريق. من بيع الاراضي الى التوطين الفلسطيني واللجوء السوري. من تراجعهم الديموغرافي الى صعود التطرف الاسلامي. من سوريا الى العراق وايران، ومن اسرائيل الى سائر الدول الغربية التي اكتشفوا انهم ليسوا ابناء اعزاء لها.

يخافون من تراجع قدراتهم الاقتصادية وتنادر المشتركات الوطنية والاجتماعية بينهم وبين شركائهم. يخافون من الكثير وعلى الكثير. لكن ماذا يفعلون؟

غادر البطريرك الراعي الى روما متمنيا النجاح للموفد الفرنسي فرنسوا جيرو الذي جاء في مسعى متجدد، وبالتنسيق مع الفاتيكان، لتحريك الملف الرئاسي. تمني البطريرك اشبه بتمني الشفاء العاجل لقريب من زكام او نجاح طالب في شهادة رسمية.

اما في مقلب الاحزاب المسيحية، فالاعلان عن «انجازات» يتواصل. «انجاز» ديموقراطي حول انتخابات حزبية هنا وقوانين حزبية هناك يبقى الرئيس بموجبها رئيسا للابد وينال «الاقوياء» من الاقارب والمحاسيب مواقع الصدارة والمناصب المهمة.

و«الانجاز» الثاني يتمثل في الحوار. حوار بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» يصعب على المتابع اختصاره بأربع جمل لها ترجماتها العملية، على رغم كل الحبر الذي سال في تحليل الحوار، وسيسيل لاحقا في تحليل دمه كرمى للتعددية والاختلاف البناء.

تخلى الموارنة منذ زمن عن ابتكار افكار «دولتية» ومؤسساتية. ما عادوا اصحاب مبادرة ولا اصحاب فكر وجدل. يهمس احد الآباء الى ان «تراجع المسيحيين يمكن ملاحظته بتفصيل صغير لكن ذات دلالة كبيرة. فالمسيحيون الذين يتشاوفون على مواطنيهم بحرصهم على المطالبة بتكريس حقوق المرأة، نراهم مثلا اكثر المتشددين في حرمانها من حقها في اعطاء الجنسية لأولادها تحت أعذار وأوهام مهينة». يهمس الكاهن بالكثير من الامثلة، وفي همسه بوح مكتوم.

في ذكرى القديس مارون، الذي سيُحتفل به في التاسع من هذا الشهر، اصدر رئيس الحكومة تمام سلام مذكرة قضت «باقفال الادارات والمؤسسات العامة والبلديات»، ربما على الموارنة ان يكتفوا بهذه «الاحتفالية»، او ان يقرأوا بعضا من صفحات كتاب الاب ميشال عويط «وصيتي الى الموارنة» وفيه من الاسئلة ما هو اكثر ايلاما من الاجوبة. ومنها «هل من قوة تستطيع ان تعيد الموارنة الى ما كانوا عليه سابقا؟ هل يمكن ان يتحقق الاصلاح؟ وما هي الطريق اليه؟ هل وصل الموارنة الى طريق مسدود؟».