Site icon IMLebanon

هل يتعرّض ميشال المر لمحاولة اغتيال سياسي؟

 

هو شاهدٌ حيّ على الحياة السياسية بعهودها المتعاقبة منذ عشرات السنين، ومِن الراسخين الكبار في عِلم السياسة اللبنانية منذ دخوله المعتركَ السياسي في الخمسينات من القرن الماضي.

وهو شهيدٌ حيّ في خدمة لبنان منذ العام 1991، حيث نجا من محاولة اغتيال آثمة نجا منها بعناية إلهية، وهو والدُ شهيدٍ حي منذ العام 2005 حين تعرّضَ نجله رئيس مؤسسة الإنتربول الدولية حالياً ونائبُ رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والداخلية سابقاً الياس المر لمحاولةِ اغتيال نجا منها بعناية إلهيّة أيضاً.
وهو إلى كلّ هذا، خادمٌ أمين وراعٍ لأبناء المتن وكلِّ لبنان منذ بدأ تعاطي الشأن العام وتنقّلَ في المواقع الحكومية والنيابية، ولم يبخل يوماً في مواعيد لكلّ من قصَده طالباً خدمةً على المستويَين الرسمي أو الشخصي.

هذا الشاهدُ والشهيدُ الحي، والوالد لشهيد حيّ، و«صانع الرؤساء» الذي يكاد أن تكون له في كلّ رئاسة بصمةٌ، يتعرّض لمناسبةِ استحقاق الانتخابات النيابية لـ«حرب إلغاء»، بل لمحاولة اغتيالٍ سياسي بغية إزاحتِه عن خدمة المتنيّين الذين أحبَّهم دوماً وأحبّوه في كلّ الظروف، وكذلك إزاحته عن زعامةٍ لطالما كانت ولا تزال منقادةً إليه، سواء على مستوى طائفته أو على المستوى الوطني.

فالمر يَكظُم الغيظَ منذ انتخابات 2009 وحتى اليوم على رغم «حرب إلغاء» يتعرّض لها، ولكنّه رغم كلّ هذا دأبَ على إيثارِ التوافق على التصادم رغم كلِّ الطعناتِ التي تلقّاها، والجميعُ يعرف الظروفَ التي دفعته إلى الافتراق عن التحالف مع تكتّل «التغيير والإصلاح» محتفظاً بالعلاقة الطيّبة مع عون. حتى إنه في انتخابات 2009 ظلّ يُراهن حتى اللحظة الأخيرة على التوافق مع العونيّين، ولكنّهم رفضوا، فخاضَ الانتخابات وفاز خارقاً والنائب سامي الجميّل لائحتَهم المقفَلة. ولكنّه مع ذلك ظلّ محافظاًعلى العلاقة الودّية والعائلية مع عون. وتبادلُ الزيارات والتلاقي في المناسبات لم ينقطع بينهما.

ومنذ ما قبلَ صدورِ قانون الانتخابات الجديد، والمرّ يَنشُد تجنيبَ المتن معركةَ «كسر عظم» انتخابية، ساعياً إلى تحالفٍ انتخابيّ مع الآخرين وعلى رأسهم «التيار الوطني الحر» والأرمن (حزب الطاشناق وغيره)، في الوقت الذي كان البعض، وخصوصاً بعض اللصيقين، أو يدَّعون اللصاقة بعون، يصطادون في الماء العكِر ويحاولون نتيجة حقدٍ دفين أن يوغِروا صدرَ رئيسِ الجمهورية ضدّ «أبو الياس» نظراً لشعورهم بأنّ قوّته الشعبية والانتخابية كانت ولا تزال تُشكّل خطراً على وجودهم الطريّ العود على الساحة المتنية خصوصاً وعلى الساحة السياسية عموماً، وقد انكشَفت محاولاتُهم هذه أيامَ الانتخابات البلدية قبل أقلّ مِن سنتين كيف أنّهم حاولوا تأليبَ بعضِ القواعد الشعبية في عددٍ من بلدات المتن ضد «أبو الياس» ولكنّهم فشلوا في ذلك، وإذا بأنصاره ومؤيّديه يفوزون بالغالبية الساحقة من المجالس البلدية المتنية، وقد توَّجوا هذا الفوز بإعادة انتخاب السيّدة ميرنا ميشال المر رئيسةً لاتّحاد بلديات المتن، وهو المنصب الذي تشغله منذ أكثر من عشر سنوات.

وقبل أقلّ مِن شهرين، وفي سياق رغبتِه الصادقة بضرورة تجنيبِ دائرة المتن الشمالي المعركة الانتخابية بادرَ «أبو الياس» إلى زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فكان لقاءٌ ودّي بينهما انتهى إلى توافقٍ على تحالفٍ انتخابي يَجمع كلَّ المكوّنات المتنية في لائحةٍ واحدة، علماً أنّ حزب «الطاشناق» برئاسة النائب آغوب بقرادونيان كان قد بادر منذ ما قبل إقرار قانون الانتخاب الجديد وبالاتفاق مع المر إلى خوض مفاوضاتٍ مع «التيار الوطني الحر» لخوض الانتخابات في دائرة المتن بلائحة ائتلافية.

بل أكثر من ذلك، بادرَ بقرادونيان إلى الإعلان في أكثر من مناسبة، وحتى الأمس القريب، بأن لا انفكاك في «التحالف التاريخي» القائم بين «أبو الياس» وحزب الطاشناق، وأنّ الطرفين ذاهبان إلى خوض الانتخابات معاً كالعادة في كلّ انتخابات، ولكن ما يحصل منذ أكثر من أسبوعين هو بروزُ ضبابيةٍ بدأت تلفُّ مواقفَ «التيار الوطني الحر» تكاد ترتقي إلى مستوى الابتعاد عن التحالف مع المر.

لكن من كانوا يريدون التحالفَ مع المر لم يكتفوا بالابتعاد عن التحالف معه فقط، بل اندفعوا إلى استخدام أساليب الترغيب والترهيب ضدّ بعض مؤيّديه الذين لم يأبَهوا لذلك، إلى درجة أنّ هذين الترهيب والترغيب طاوَلا ويطاولان كلَّ مرشّح يفاوض أو قرَّر الانضمام إلى اللائحة الانتخابية التي يعمل أبو الياس على تشكيلها حاليّاً.

ولكنّ هؤلاء عندما أدركوا أنّ ما قاموا به حتى الآن لم يغيّر في قوّةِ المر الشعبية، بادروا إلى عملية اجتياح إدارية لدائرة المتن بترغيب وترهيب فاعليات وقواعد مؤيّدة له، حيث مارَسوا صرفَ نفوذٍ وعزَلوا بعض الموظفين الكبار، وعيّنوا مؤيّدين لهم في مكانهم بغية ممارسة «رِشى» خدماتية إدارية لاستمالة الناخبين لينتخبوا لوائحَهم.

ولم يقف الأمر بخصوم المر الجُدد عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى تهديد بعضِ الموظفين الذين عزَلوهم بفتحِ ملفّات لهم إنْ فكّروا في البقاء على تأييدِهم وعائلاتهم له انتخابياً وسياسياً، وذلك في ما يُشبه «حرب إلغاء» يشنّها هؤلاء ضد «أبو الياس»، علماً أنّ مِثل هذه الحرب لا ينفكّون عن استحضارها وشنِّها منذ عشرات السنين، وما كلامهم عن «التسونامي» من حين إلى آخر إلّا دليلٌ على حلمهم بـ«تسونامي» جديدة لكنّها لن تحصل هذه المرّة لأنّ قانون الانتخاب الجديد الذي يعتمد النظام النسبي سيُعطي كلّ ذي حجمٍ حجمه، وكلَّ ذي حقّ حقَّه، رغم كلّ ما يعتريه من ثغرات، وأبو الياس واثقٌ من حقّه ومن حجمِه منذ الآن لأنّه يثقُ بالقاعدة الشعبية التي تكنُّ له المحبّة والوفاء، وهي ستخوض المعركة معه تحت عنوان «الوفاء لميشال المر»، والوفاء لمن وقفَ إلى جانب المتنيّين يوم تخلّى الجميع عنهم بذرائع واهية.

سيخوض أبو الياس معركته الانتخابية على رأس لائحةٍ لن يَحولَ الخصوم دونَ ولادتِها وشيكاً، سيخوضهاً قوياً لأنّ المتنيين يعرفون مَن صَنع الإنماءَ في المتن، وإنجازاتُه في هذا المجال واضحة تحت الشمس وليست ادّعاءً.

لا يمكن «أبو الياس» ولا أحداً مِن مؤيّديه أو مِن غير المؤيدين أن يعتقد أنّ رئيس الجمهورية يَقبل بـ«حرب الإلغاء» التي يتعرّض لها المر.. بل إنّ «أبو الياس» يُنزّه الرئيسَ عن كلّ ما يتعرّض له.

فأبو الياس، رغم ما يتعرّض له من طعنات في الظهر، يدرك جيّداً أنّ مَن يُطعَن في الظهر هو مَن يكون دوماً في المقدّمة، وقد قال أحدهم يوماً: «كلّما طُعِنتُ في الظهر أشكر الله على أنّني ما زلتُ في المقدّمة».

لم يُخطئ أبو الياس يوماً في حقّ أحد، وتحديداً في حقّ مَن يحاولون إقصاءَه اليوم. فعندما تحالفَ معهم سابقاً إنّما حالفَهم بصدقٍ وشرف، وعندما خرج من التحالف، إنّما أُحرِج فأُخرِج، ومع ذلك لم يتّخذ منهم موقعَ الخصومة، ولا العداوة، بدليل أنه في استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، انتخَب عون علناً وبلا تردُّد، رغم إدراكه المسبق أنّ بعض المحيطين بالرئيس «لن يغيّروا ما في ذات الصدور».

ميشال المر هو أحد الكبار الكبار في البلاد، وسيبقى كبيراً ما عاش، ولكنّ القوم الذين لا يوقّرون كبارَهم سيبقون صغاراً، ولن يفيدهم ما حظوا به من ترفيعٍ سياسي آليّ سيكتشفون يوماً أنّه ليس سوى زَبدٍ سيذهب جُفاء، وإنّ ما ينفع الناس، والذي صَنعه أبو الياس وغيرُه من الكبار أمثاله، سيبقى الماكث في الأرض إلى أبد الآبدين.