ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها مسؤول سوري عن بدء روسيا توريد منظومة صواريخ «آس 300» المتطوّرة الى بلاده بلا نتائج عملية. لكنّ هناك مَن يرى أنّ الظروف الراهنة مؤاتية لإتمام هذه الصفقة الموقّعة بين البلدين قبل بدء الأزمة السورية.
يزور وزير الخارجية السوري وليد المعلم موسكو نهاية الشهر الجاري للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، كما جرت العادة، لكنّ المعلم حمَّل زيارته المرتقبة عنواناً كبيراً هذه المرة، وهو بدء روسيا بتسليم بلاده منظومة «آس 300» الصاروخية، الأمر الذي يُميّز هذه الزيارة عن سابقاتها، بعدما كانت تحمل عنواناً واحداً، هو التشاور مع موسكو في شأن الأزمة السورية ومكافحة الارهاب.
إعلان المعلم عن هدف الزيارة، لقيَ أصداء واسعة في اكثر من عاصمة إقليمية وعربية ودولية، وأثار الجدل في أروقة المؤسسات العسكرية والسياسية فيها، في اعتبار أنّ امتلاك دمشق هذه المنظومة في هذا التوقيت بالذات، يمكن أن يُغيّر موازين القوى على المستويَين الميداني والاستراتيجي.
فهذه المنظومة قادرة ميدانياً على استهداف أحدث المقاتلات الجوية، ما يعني أنّ أسراب طائرات التحالف الدولي التي تُغطّي سماء المنطقة ستصبح هدفاً لقوات الدفاع السورية إذا اقتضى الامر، وتحديداً إذا رضخ التحالف لشروط أنقرة في توسيع عمليته لتشمل النظام.
أما من الناحية الاستراتيجية، فإنّ صواريخ «آس 300»، ستحقق تقدماً كبيراً في التوازن العسكري في النزاع العربي – الاسرائيلي، في اعتبار أنها منظومة دفاعية بعيدة المدى ومخصّصة لردع صواريخ المقاتلات الجوية المتطورة واعتراض صواريخ «كروز» الباليستية، ما سيجعل من سوريا البلد العربي الوحيد القادر على مواجهة سلاح الجوّ الاسرائيلي الذي يُعتبر الأكثر تفوّقاً في المنطقة والأكثر فاعلية في كلّ حروب تل أبيب التي خاضتها مع العرب والفلسطينيين.
على رغم أنّ موسكو لم تُصدر أيّ تأكيد أو نفي لتصريح المعلم، فإنّ الصمت الروسي يُعتبر في حدّ ذاته، رسالة مهمّة لمَن يهمّه الامر عربياً وإقليمياً ودولياً، لأنّ موسكو تدرك جيداً معنى دخول أسلحة متطوّرة في معادلات الشرق الأوسط، ما يؤكد أيضاً ثبات الموقف الروسي تجاه الحدث السوري.
لا شك في أنّ الأنظار ستبقى مشدودة نحو الرد الروسي على تصريحات دمشق، ولعلّ موسكو تنتظر وصول المعلم في 26 تشرين الثاني لإعلان موقف واضح تجاه صفقة الصواريخ.
لكنّ المعطيات المتوافرة تفيد أنّ موسكو ليست في صدد اتخاذ خطوات تصعيدية في الشأن السوري من شأنها زيادة الازمة تعقيداً، خصوصاً أنّ الأيام القليلة الماضية كشفت عن حراك روسي مهمّ جداً وبعيد من الاضواء، بهدف تقريب وجهات النظر بين طرفَي النزاع قبل البدء بجولة جنيف الثالثة، إذ تفيد المعلومات أنّ وفوداً سياسية وروحية وعسكرية معارضة وموالية للنظام السوري قد زارت موسكو تباعاً خلال الفترة القصيرة الماضية وعقدت لقاءات مع كبار ديبلوماسييها، لوضع تصوّر واضح في شأن التسوية السياسية للازمة، وتحديد أولوليات أجندة مؤتمر جنيف المزمع عقده بداية السنة المقبلة.
ولعلّ الحذر والسرية التامة التي رافقت تلك اللقاءات خير دليل على أنّ الروس تمكنوا من مدّ خيوط تواصل إيجابية بين مختلف الأطراف الفاعلة على مسرح الأحداث في سوريا، ما يعني وجود علامات استفهام كبرى في شأن عودة المعلم من روسيا محمّلاً منظومة صواريخ «أس 300»، فزيارته المرتقبة الى موسكو ستشكّل نقطة تحوّل مهمة في مسار العملية التفاوضية.