Site icon IMLebanon

هل تخلت موسكو عن كونها طرفاً في الحرب السورية؟

معيار نجاح، أو فشل، اجتماع آستانة لإنهاء الحرب السورية، وتالياً الديبلوماسية الروسية كلها، يتوقف على الجواب عن سؤال قديم/جديد ما زال يطرح نفسه منذ ستة أعوام: هل توقفت موسكو عن أن تكون طرفاً في هذه الحرب أم لا تزال كما كانت، سياسياً وديبلوماسياً، منذ بدء الثورة ضد نظام بشار الأسد في آذار (مارس) 2011، وعسكرياً، منذ تدخلها في هذه الحرب قبل حوالى عامين؟

لا يبدو أن شيئاً جدياً تغير في موسكو حتى الآن، في ما عدا موافقتها، و «موافقة» دمشق أقله في الظاهر، على وجود معارضة سياسية للنظام وأخرى مسلحة، بعد أعوام من ترديدهما معاً مقولة أن لا وجود لمثل هذه المعارضة انما فقط مجموعات إرهابية لا بد من محاربتها حتى استئصالها وإنهائها من الوجود. لا شيء جدياً تغير في موسكو، لأنه عندما تحدث الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عن توجه لإقامة مناطق آمنة في سورية، لم يجد الكرملين ما يردّ به عليه سوى القول إنه لم يتشاور معه في الأمر من ناحية، وأن مثل هذه المناطق ليست عملية ولا مفيدة في المرحلة الحالية من ناحية أخرى.

أكثر من ذلك، ليست خافية التباينات التي طفت على السطح أخيراً بين روسيا من جهة وحليفيها في طهران ودمشق من جهة ثانية، أقله في ما يتعلق بما يسمى «الأولويات» التي تتحدث العواصم الثلاث كل من وجهة نظرها عنها. اذ لم يتوقف الأسد يوماً، منذ مجزرة حلب وما تلاها في الغوطة ووادي بردى وغيرهما، عن القول انه يريد «تحرير» ما بقي من الأراضي السورية تحت سيطرة المعارضة، وأنه بعد ذلك وحده يمكن الحديث عن تسوية سياسية لإنهاء الحرب. كذلك فإنه، على جبهة طهران، لم يعد يحتاج الى برهان أن ما تسعى اليه هو مواصلة الحرب حالياً، ليس فقط لإبقاء الأسد ونظامه من دون أي تغيير، انما أيضاً لضمان نفوذها وهيمنتها على السلطة في سورية في المرحلة المقبلة. وعندما تضع طهران شروطاً على مشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة أو غيرها في اجتماع آستانة، فإنها تقول بالفم الملآن إن موعد التسوية لم يحن بعد وإن معركتها، أقله في وادي بردى الآن، لن تتوقف على رغم ما يقال عن اتفاق لوقف إطلاق النار في عموم سورية واعتبار تثبيته هدفاً وحيداً لاجتماع آستانة هذا.

واذا أضيفت الى ذلك المطالبات المتكررة من قبل المعارضة ومن تركيا بسحب الميليشيات الأجنبية (الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية) من سورية، قبل اجتماع آستانة وفي أثنائه، ورفض النظام وإيران مجرد البحث في المطلب، بل وأصرارهما على إبقاء الحرب على حالها، لاكتملت اذاً الصورة: مواصلة القتال الى حين ما تصفه دمشق وطهران بـ «انتصار» النظام وإعادة الشأن في سورية الى ما كان عليه قبل آذار 2011.

وفي هذا السياق بالذات، ليس من دون معنى إعلان دمشق وطهران معاً عن سلسلة اتفاقات ومعاهدات بينهما لا تقف عند بيع الأسد سورية بالجملة والمفرق، كما قيل في وصفها، بل تتجاوز ذلك الى ربط هذا البلد نهائياً بسلطة «الولي الفقيه» الإيراني وإمبراطوريته الفارسية المشتهاة من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وفق ما أعلن مسؤولون إيرانيون في وقت سابق.

في الاتفاقات الجديدة، ما أعلن في العاصمتين قبل أسبوع عن بناء ميناء نفطي ايراني في الأراضي السورية وإقامة شبكة هاتف نقال، هي ما مجموعه ستة اتفاقات، تنص على تنازل الأسد عن خمسة آلاف هيكتار من الأراضي السورية لزوم بناء الميناء النفطي، وخمسة آلاف أخرى كأراضٍ زراعية (لماذا، ولأي هدف؟!) وفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.

وينص أحد الاتفاقات، على أن تستغل إيران مناجم الفوسفات في منطقة خنيفيس التي تبعد نحو 70 كلم عن مدينة تدمر، وإقامة خط ائتماني جديد بقيمة 3.5 بليون دولار (بعد الخطين السابقين اللذين يصلان الى 4 بلايين دولار).

والاستثمارات الإيرانية في حقل الصناعة السورية، كما يقول النظامان، تتصاعد بصورة مضطردة وقد بلغت أكثر من مئة مشروع حتى الآن، مثل معمل الإسمنت في حماة الذي أنجز منه 80 في المئة بطاقة مليون طن سنوياً، إضافة إلى مشروع صوامع الحبوب الـ10 ومشروع إنتاج سيارات ومحطات كهرباء وإعادة تحديث المصفاة والمحطة الحرارية. أما ذروة العلاقات فقد بلغت حداً متطوراً حيث تم التوقيع على عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم لإنشاء مدينة صناعية في حسياء تبلغ مساحتها ثمانمئة كلم مربع ومحطة لتوليد الطاقة بقوة نحو 800 ميغاواط.

لماذا الآن تحديداً يتم توقيع هذه الاتفاقات ويعلن عنها رسمياً في العاصمتين؟

سابقة إعطاء روسيا الأراضي اللازمة لبناء قاعدتين عسكريتين في طرطوس وحميميم، إنقاذاً للنظام الذي كان سيسقط في خلال أقل من أسبوعين كما أعلن أخيراً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تشكلان نموذجاً عما يفعله الأسد حالياً مع إيران. في رأيه، ورأي راعيه علي خامنئي طبعاً، أن أي حل سياسي في سورية لن يكون في النهاية الا على حساب النظام ورئيسه والأطراف التي تقف الى جانبه. وهما لا يريدان، الآن على الأقل، الدخول في صدام مع موسكو حول اقتراحها بدء مفاوضات حول التسوية، لكنهما يستعدان للأسوأ في حال إصرار الكرملين، وخصوصاً على إمكان دفعها باتجاه التوصل الى صيغة تسوية ما. وليس سراً أنهما عملا طيلة الفترة الماضية على خرق وقف إطلاق النار، في وادي بردى وفي غيرها، بينما كان ممثل سورية في آستانة، وإن يكن خارج الاجتماع فيها، يقول إن القتال سيتسمر الى أن تعود مياه الفيجة الى منازل سكان دمشق.

ما يبقى في النهاية، أن موسكو فلاديمير بوتين لم تجب عن السؤال المركزي: هل هي طرف في الحرب، كما كانت حتى الآن، أم أنها باتت راغبة في لعب دور الوسيط الحيادي، بعيداً عن حليفيها في دمشق وطهران، لإنهاء الحرب من جهة وفرض تسوية سياسية تكون في مصلحة الشعب السوري من جهة ثانية؟

من شأن اجتماع جنيف بعد أيام أن يقدم جانباً من الإجابة عن السؤال.