خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام الكونغرس اليوم هدفه الأول والأخير افشال المفاوضات التي تقودها ادارة باراك أوباما مع ايران حول ملفها النووي والتي قد تفضي الى اتفاق أولي خلال أسابيع يفتح بدوره نافذة صغيرة للتطبيع بين طهران والغرب.
وقوف نتانياهو أمام الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية ومن دون أي تنسيق مسبق مع البيت الأبيض هو أشبه بانقلاب تشريعي لليمين الاسرائيلي والأميركي على أوباما. اذ وللمرة الأولى في تاريخ البلدين، يتجاهل زعيم المعارضة الأميركية رئيس البلاد، ويتآمر مع السفير الاسرائيلي لدعوة نتانياهو الى المنبر التشريعي الأكثر نفوذ عالميا، وللتحريض على أوباما وسياسته. فالأدوار شبه متناقضة عما كانت عليه في منتصف التسعينات، حين تآمر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون مع “حزب العمل” الاسرائيلي ومع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يومها واسقط حكومة نتانياهو. الا ان خرق البروتوكول من الجمهوريين و”القوة العظمى” لصالح اسرائيل امر غير مسبوق، وجاء لسببين: الأول إحراج أوباما داخليا والتمايز عن سياسته الخارجية وهو ما سينعكس في جولات التصفيق الحارة في قاعة الكونغرس لنتانياهو، والثاني أن البيت الأبيض كان سيطلب وسيعمل على تأخير خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي كما فعل في 2011.
فالتوقيت قبل ثلاثة أسابيع تحديدا من مهلة انجاز الاتفاق الأولي بين ايران ومفاوضي الدول الخمس الكبرى زائد واحد، يمنح معارضي هذا الاتفاق من الصفين الاسرائيلي والأميركي فرصة أخيرة لإفشاله وفي خطاب قد يكشف عن تنازلات أميركية لطهران. ومن هنا كان تحذير وزير الخارجية جون كيري من ان أي تسريبات حول المفاوضات ستعرقل فرص الوصول اليه، والى درجة أنهت روتين ابلاغ الاسرائيليين أخيرا بفحوى المفاوضات. فهناك توجس داخل البيت الأبيض من دور نتانياهو واشتباه بتسريب اسرائيل مضمون رسالة أوباما الأخيرة الى مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي.
وفي حين فشل الكونغرس في تمرير تشريعات تعد بعقوبات أكبر على طهران اذا لم تثمر المفاوضات في حزيران (يونيو) المقبل، فان خطاب نتانياهو قد يحشد الدعم خلف تشريع آخر يجبر الادارة على نيل تفويض من الكونغرس قبل الموافقة على أي اتفاق مع ايران، وقبل أي رفع للعقوبات. وهدد أوباما بنقض هذا التشريع في حال التصويت عليه، ورفض بشكل قاطع تحويل اي اتفاق للكونغرس أو ربط أي رفع للعقوبات الدولية بموافقة النواب. هذا الموقف من الادارة زاد من مناخ عدم الثقة بين الكونغرس والبيت الأبيض وهو يطرح مخاوف حول بنود الاتفاق، وأيضا مستقبله بعد خروج أوباما في 2017.
وتقول مصادر غربية أن البيت الأبيض وللمرة الاولى متفائل بإمكان الوصول الى اتفاق أولي في 24 الجاري، وأن بنوده ستؤسس لآخر شامل مطلع الصيف، يضمن عدم امتلاك ايران السلاح النووي ويرفع العقوبات الدولية عنها بشكل تدريجي، ويعني استمراره ما بين 10 و15 سنة فتح نافذة التطبيع بين طهران والغرب ودخول الشركات الأميركية الأسواق الايرانية للمرة الاولى منذ 1979. هذا السيناريو هو كابوس لرئيس الوزراء الاسرائيلي الذي يشكك في نوايا طهران النووية ولا يريد انفراط هيكلية العقوبات في ظل التهديدات الايرانية المستمرة لاسرائيل من “حزب الله” وتنظيمات أخرى.
وبالتالي فان وقوف نتانياهو أمام الكونغرس اليوم منعطف حاسم للدور الأميركي اقليميا. اذ سيعني نجاح زعيم “ليكود” وحلفائه في الكونغرس في افشال المفاوضات الايرانية “انتصارا” لهؤلاء في استمرار عزلة ايران الدولية، فيما سيكون أي اتفاق انجازا تاريخيا لادارة أوباما وبداية لمقاربة جديدة لواشنطن في علاقتها مع من أطلقت عليه قبل أعوام قليلة اسم “محور الشر” و”المصرف المركزي للإرهاب”.