أثارت الدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر إلى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لإلقاء خطاب في جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس في 3 آذار المقبل يشرح فيه وجهة نظر حكومته في المفاوضات النووية الدائرة بين الولايات المتحدة وإيران من خلال المجموعة الدولية 5+1، أثارت الكثير من الضجة والغضب في الشارع السياسي الأميركي، وأطلقت معركة حامية بين البيت الأبيض وسيده الرئيس باراك أوباما والكونغرس. ولعل السبب الأبرز لذلك اقتراب المفاوضات المذكورة من الموعد الأخير للإتفاق على مسودة نهائية توقّع بالأحرف الأولى على أن يتم توقيعها النهائي في أواخر حزيران المقبل. والموعد هو آخر شهر آذار المقبل. وما يضاعف من حدِّة المعركة اقتناع المتفاوضين كلهم، في رأي باحثين أميركيين جديين، بأن موعدي آذار وحزيران نهائيان، وبأن تمديد التفاوض مرة ثانية مستبعد. ومن شأن ذلك وضع هؤلاء أمام خيار من اثنين إما الإقدام والإتفاق، وإما التراجع والاستمرار في الحرب بالوكالة الدائرة في الشرق الأوسط والقابلة للتحوّل حرباً مباشرة.
ما هي أسباب غضب باراك أوباما؟
خلفية الغضب معروفة وهي سوء العلاقة بل تردِّيها بينه وبين نتنياهو وفشل كل محاولات تحسينها، ووضوح عزم الإثنين على الإستمرار في “التصارع”. أما أسبابه المباشرة فثلاثة. الأول إقتناع البيت الأبيض بأنه كان على رئيس مجلس النواب مناقشة دعوة نتنياهو قبل توجيهها مع الرئيس أوباما، وتعمُّد “بوينر” الجمهوري إهانة رئيس دولته بتركه يعرف من الإعلام أن دعوة وجِّهت إلى نتنياهو وأنه سيلبيها. كما تعمَّد سفير إسرائيل في واشنطن رون ديرمِر عدم الإشارة إليها أمام جون كيري وزير الخارجية في أثناء لقاء له معه. والسبب الثاني اعتبار دعوة نتنياهو هدية له ولحزبه من الحزب الجمهوري الأميركي في مرحلة تخوض إسرائيل عملياً “إنتخابات وجودية” في الـ17 من آذار الجاري. وبغض النظر عن مضمون خطاب نتنياهو أمام الكونغرس بمجلسيه، وعن احترام قد يبديه لحق أميركا السيادي في اتخاذ قرارات تتعلَّق باتفاق نووي مع إيران، فان الهالة التي سيحصل عليها من تصفيق أعضائهما الجمهوريين والديموقراطيين ستكون له عوناً كبيراً في معركته الإنتخابية. أما السبب الثالث فهو أن البيت الأبيض يعتبر هدف بوينر ونتنياهو من الدعوة تقوية موقف معارضي التسوية مع إيران الذين يزدادون في الكونغرس، بدليل توافق شيوخ من الحزبين على طرح مشروع عقوبات إضافية على إيران عليه في حال إنتهاء المفاوضات ضمن المهلة المحددة الى الفشل. وبدليل بدء البعض من الحزبين الكلام عن فرض إبرام الكونغرس بمجلسيه الإتفاق مع إيران إذا تمَّ التوصل إليه. وفي ذلك كله عدم احترام لمؤسسة الرئاسة التي لها موقع خاص في الدستور الأميركي.
هل يخفِّف الأعضاء الديموقراطيون في الكونغرس تعاطفهم مع الجمهوريين في موضوع تقييد حركة أوباما؟
يرجّح حصول ذلك في رأي الباحثين الأميركيين أنفسهم. إذ قال هاري ريد الديموقراطي البارز في مجلس الشيوخ لنتنياهو في إتصال هاتفي تلقّاه منه أن “من الأفضل له أن يرفض دعوة بوينِر رئيس مجلس النواب الأميركي”. وأبلغ إليه أن ديموقراطيي الكونغرس قرروا بعد نشوب “المعركة” إحباط جلسة “إستماع الشيوخ” إلى كل ما يتعلّق بالمفاوضات النووية، علماً أن انعقادها كان سيوفِّر منصة لانتقادات وتهجّمات على مقاربة أوباما لها. وبعد الإتصال المذكور أعلن هؤلاء الديموقراطيون إرجاء أي جلسة “إستماع” للشيوخ حتى أواخر آذار المقبل أي بعد انتهاء الإنتخابات الإسرائيلية والموعد المبدئي لاتفاق الأحرف الأولى بين المجموعة الدولية 5+1 وإيران.
هل يرجئ نتنياهو قبول الدعوة أو يلغيها؟ هل يلبّيها؟ هل تساعده إنتخابياً أم تؤذيه؟ لا أجوبة عن أسئلة كهذه الآن. علماً أن هذا الحادث لن يؤثر على العلاقات الجيِّدة الأميركية – الإسرائيلية.
إلا أن السؤال “البريء” الذي يطرحه البعض هنا هو: هل يصبح قبول الإتفاق النووي من إسرائيل، بعد التوصُّل إليه طبعاً، شرطاً لعلاقة ما مع إيران، أو لإنهاء حال عداءٍ يُترجَم عملياً في لبنان من زمان، ومن غزة، وقد يترجم قريباً من سوريا؟ وطبعاً لا جواب “بريء” أيضاً عن سؤال كهذا.