أزور أبوظبي بمعدَّل ثلاث إلى أربع مرات في السنة، وفي كلِّ مرة أُراكِم انطباعاتي عن هذه الإمارة التي تحوَّلت فعلاً لا قولاً ليس إلى لؤلؤة الخليج فحسب بل إلى لؤلؤة العالم العربي.
وليس في الأمر سر بل مثابرة عكف عليها أبناء الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، فكم هي مدهشة إنجازاتهم، ومن الصعب تعدادها كلها، ولكن في مقدِّم هذه الإنجازات جزر الريم والسعديات وياس التي تحوَّلت إلى واحاتٍ غنَّاء.
ومن الإنجازات أيضاً نقل تجربة جامعة السوربون إلى أبوظبي وكذلك تجربة المستشفى العالمي كليفلاند ومتحفي اللوفر وغوغنهايم وغيرها الكثير من المعالم العمرانية.
مُبسِّطو التحولات والتغيرات يستسلهون التفسير والتحليل فيكتفون بالقول:
في أبوظبي بترول وبإمكانها أن تفعل ما فعلته.
لكن في نيجيريا بترول فهل هي لؤلؤة افريقيا؟
في فنزويلا بترول فهل هي لؤلؤة أميركا اللاتينية؟
في روسيا غاز فهل هي لؤلؤة القارتين الأوروبية والآسيوية؟
الموضوع لا علاقة له بالبترول بل بثقافة أنَّ الثروات هي في خدمة البلد وتقدمه وازدهاره، لقد وضعت أبوظبي ثروتها في خدمة حاضرها ومستقبلها، ولم يكن الأمر عشوائياً بل بموجب خطة متكاملة من بنودها:
الإستقرار ثم الإستثمار، من ضمن رؤية تحاكي حاجات المواطنين والوافدين المتطلِّعين إلى الإستثمار في هذا البلد الغني، ليس في موارده الطبيعية فحسب، بل خصوصاً في موارده الإنسانية في الدرجة الأولى.
وكما أبوظبي كذلك دبي، لا بترول في إمارة دبي بل حقول نفطٍ من الأفكار الريادية جعلت حكَّامها ينقلون نيويورك إلى منطقتنا. فماذا نقول عن لبنان؟
لم يعُد ينفع الحديث المكرَّر عن أن عندهم بترول ونحن ليس لدينا بترول، لقد أصبح هذا الكلام مردوداً إلى قائليه، وبالمناسبة فإننا نشكر ربنا ألف مرة أنَّ الغاز الموجود في قعر مياهنا الإقليمية ما زال محفوظاً ولم يُستَخرج، لأنّه لو استُخرِج لكان لَحِق بالثروات الطبيعية وغير الطبيعية التي صارت في الجيوب.
عندنا بترول لكن أين أصبح؟
وفي أي وجهةٍ استُعمِل؟
أليست أدمغتنا بترولنا؟
فأين هي غير في الأميركيتين وأوروبا ودول الخليج؟
أليست أدمغتنا سياحتنا؟
أين هي في ظل التخويف اليومي والإهمال المتمادي؟
ألم تُحوَّل معالمنا السياحية إلى مكبات للنفايات على رغم الجهود المضنية التي يقوم بها وزيرا السياحة والثقافة للحفاظ عليها؟
لبنان منبعٌ للبترول، صحيحٌ هذا القول، لكنه من المنبع إلى جيوب الكومبانية. نملك الملفات الكثيرة والوثائق الكثيرة، لكننا لن نُضيِّع وقتنا الثمين، لأننا على يقين أنَّ هذه المرحلة بالذات فالج لا تعالج.
نحن نعيش في عصر الالكومبانية، ولن يكون عندنا بلد إلا حين تُفتَح الملفات كاملةً في كلِّ قطاعات الدولة، سواء أكانت طاقة بشرية أم طبيعية، لن تذهب إلى الجيوب.
تاريخ لبنان لم يكن هكذا، ورجال لبنان التاريخيون لم يكونوا هكذا:
لم يمُت كميل شمعون مليارديراً ولا بيار الجميل ولا رشيد كرامي ولا غيرهم كثيرون، وسليم الحص وغيره دخلوا إلى الحكم لكنهم خرجوا منه كما دخلوا:
لا قصور ولا طائرات ولا منازل في باريس ولندن ونيويورك.
الجمهورية ليست مجرد خزنة نغرف منها ونرميها في سلة المهملات، لماذا لا نتَّعظ من رجالات صنعوا أنفسهم بأنفسهم وصنعوا الخير للوطن، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة. مصرف مجموعة البحر المتوسط، وبنك عودة اللذان سجلا علامة فارقة في تاريخ القطاع المصرفي اللبناني، والعقول المالية الرائدة أمثال الوزير السابق ريمون عودة، محمد الحريري وسمير حنا العقل المالي الدؤوب.
لا يتسع المجال لتعداد الجميع، لكن ألم يحن الوقت للعودة إلى العراقة والبركة التي هي ذخيرة لبنان؟
ومتى يتم تجيير هذه الذخيرة للخزينة وليس إلى الجيوب؟