قد يكون إعلان رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية خلط الاوراق وقلب التحالفات ورسم مشهدا سياسياً جديدا من شأنه أن يفرز واقعاً مغايراً لما كان عليه المشهد السياسي قبل 18 كانون الاول، ولكنه حتما لم يغير في المعطى السياسي القائم أو في الظروف التي تنتج رئيسا للجمهورية.ذلك أن كل المعطيات التي سبقت إعلان الترشيح لا تزال هي عينها ولم تتبدل حيال الاستحقاق الرئاسي، بما يجعل الاقتناع يقيناً بأن ترشيح جعجع لعون لن يصنع من الاخير رئيسا ولكنه حصل لإدراك الاول بأن ظروف التسوية لم تنضج بعد لإنتاج رئيس.
لقد تطلبت التصفيات الاولية للائحة الاقطاب المسيحيين الاربعة أكثر من عام ونصف عام لتنتهي إلى نصف النهائي على إسمي عون والنائب سليمان فرنجيه الذي أعلن أخيرا إستمراره في الترشيح. وليس مستبعدا أن تستغرق مرحلة التصفيات النهائية وقتا طويلا أيضا قبل أن تذهب الامور نحو الرئيس التوافقي عندما تنضج التسويات.
وفي انتظار تبدل المعطى الاقليمي، فإن الساحة السياسية ستنشغل راهناً بمجموعة من التساؤلات:
– لماذا استعجل جعجع إعلان الترشيح، وما الخطر الذي استشعره ودفعه إلى إعلان موقفه، علما أن كل المعطيات كانت تشير إلى أن جعجع كان ربط إعلانه هذا بإعلان رئيس “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري تبنيه ترشيح النائب فرنجيه؟
– لماذا يتريث الآخرون على ضفتي 8 و14 آذار، أو ما تبقى منهما، في إعلان مواقفهم من هذا الترشيح، علما أن كل المواقف التي صدرت حتى الآن من “المستقبل” أو من عين التينة، ركزت على التنويه بالمصالحة المسيحية، مقرونة بالدعوة إلى الاحتكام إلى المجلس النيابي؟
– هل اتفاق المسيحيين في ما بينهم، أو أقله اتفاق الزعامتين المسيحيتين الاكبر على مرشحهما سيدفع الشريك المسلم في الوطن إلى تقبل هذا الاتفاق واحترامه، أم أنه سيدفعه إلى المضي في خياراته بأن الرئيس المسيحي يتم إختياره بالشراكة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين، خلافا لما هي الحال بالنسبة الى رئيس المجلس النيابي او رئيس الحكومة، إنطلاقا مما ينص عليه الدستور أن انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب ثلثي أصوات النواب؟
في الاجوبة الاولية عن هذه التساؤلات بحسب مصادر سياسية بارزة أن جعجع لم يستعجل إعلانه. ربما كان يطمئن الحلفاء الى أنه لن يخطو خطوة قبلهم. لكنه في الواقع كان يدرس خطوته جيدا وكان يريدها بمثابة المبادرة لا بمثابة ردة فعل على مبادرة سيطرحها الحريري في شأن ترشيح فرنجيه. وهو بذلك نجح في جعل معراب برمزيتها المسيحية باباً للرئاسة وليس باب الوسط، بما تمثله من رمزية للزعامة السنية، بحيث يكون المسيحيون من يختار رئيسهم وليس خلاف ذلك. وبحسب الاوساط المحيطة بجعجع، فقد تأخر إعلان الترشيح بضعة أيام بعدما كان موعده حدد في وقت سابق، لكنه تأجل بسبب لمسات أخيرة إستدعت تعديلات ربع الساعة الاخير.
أما عن السؤال الثاني، فتجيب المصادر بقولها إن تريث الأفرقاء الآخرين يكمن في رغبة في عدم التسرع بإطلاق ردود الفعل قبل التأكد من المعطيات القائمة، فضلا عن رغبة في تبريد المشهد الداخلي بعد الصدمة التي أحدثها الاعلان، حتى تبرد الرؤوس وتعود إلى رشدها لتكتشف أن الحسابات الداخلية التي أملت مثل هذا الاعلان لن تغير كثيرا في الصورة الكبرى التي لا تزال تراوح مكانها: لا رئيس في المدى القريب!
أما السؤال الثالث، فهو الاكثر إحراجا للفريق المسلم الذي يميل إلى المرشح الاقل تمثيلا، بما يعاكس توافق الفريق الممثل لغالبية المسيحيين، بما سيعني للوسط المسيحي أن الرئيس المسيحي لا يأتي به المسيحيون، خصوصا أن الفيتو السعودي على عون لا يزال قائماً!
وعليه، فإن المرحلة الفاصلة عن موعد جلسة الانتخاب المقبلة ستكون محكومة بتهدئة المشهد السياسي وبلورة مواقف القوى بما لا يشوه الشراكة الوطنية بين الطوائف ويخرجها عن سياقها الظاهر ( والذي لا يعكس واقعا قائما). وهي مرحلة ستبلور مدى جدية “حزب الله” الذي يملك ورقة الرئاسة بإنجاز الاستحقاق. وستكون جلسة الانتخاب في 8 شباط المقبل محطة الاختبار، خصوصاً أن حظوظ تعطيل النصاب لا تزال مرتفعة جدا، إذ ستكون الجلسة رهنا بانسحاب احد المرشحين لمصلحة الآخر، وإلا فإن نزول المرشحين في ظل التحالفات الراهنة سيؤدي حكماً الى انتخاب فرنجيه