IMLebanon

أليس من المعيب أن تصبح الرئاسة «مكسر عصا»؟

قبل «الطائف»، كانت السلطة الإجرائية تُناط برئيس الجمهورية، وهو يتولّاها بمعاونة الوزراء. وفي «دستور الطائف» أصبحت السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء.

صحيحٌ أنّ تعديلات «الطائف» جرّدت رئيس الجمهورية من صلاحياته الأساسية الفعّالة، وناطتها بمجلس الوزراء، إلّا أنها أبقته المرجع الوحيد والنهائي الذي يحسم موضوع تشكيل الحكومة، وهو وحده المخوّل توقيع مراسيم التشكيل، والوحيد الذي يقسم يمين المحافظة على الدستور، وهو رأس الدولة وحامي الدستور ورمز وحدة الوطن، والمؤتمن على السيادة وعلى وحدة البلاد أرضاً وشعباً ومؤسسات.

أليس من الغريب والمُستهجَن أن يعمد بعض الزعماء إلى تقزيم هذا الموقع الرفيع وجعله مادة مساومة سياسية وتبادل حصص؟ إذا كانت التفاهمات ضرورية وواجبة بين أبناء الوطن الواحد، فمن البديهي أن يكون المرشح الرئاسي غير تصادمي وعلى علاقة جيدة ووفاقية مع كلّ الأطراف.

أما أن توضع في وجه إنتخابه سلل وشروط، ويُطلب منه أن يزحف ويستعطي تفاهمات مع أشخاص على خلاف معه في الرأي والمنطق والتصرّف، ولا يكنّون له أيّ مودّة أو محبة، فهذا يضعف الرئاسة ويحوّلها «شرابة خرْج»، وبالتالي يطيح بشكل غير مباشر القواعد الدستورية الناظمة للحياة العامة، ويكرّس أعرافاً جديدة تنعكس سلباً على سير عمل المؤسسات وتداول السلطات. أليس من الغريب أن ترتفع أصوات تطالب المرشح الرئاسي بتبنّي طروحاتها المُناقضة للدستور والميثاق ولبديهيات وجود الدولة؟

هل تحوّل نظامنا فجأة من نظام برلماني ديموقراطي إلى نظام رئاسي كي نطلب من المرشّح الرئاسي تأليف الحكومة وتسمية الوزراء وتعيين أحدهم رئيساً لمجلس الوزراء؟ أليست الإستشارات النيابية ونتائجها المُلزمة تأتي برئيس الحكومة؟

وأليس رئيس الحكومة المُكلّف مَن يُسمّي الوزراء ويوزّع الحقائب بالإتفاق مع رئيس الجمهورية؟ وأليست الحكومة مَن تضع البيان الوزاري وتحدّد السياسة التي ستنتهجها الدولة فـي موضوعات الأمن، والدفاع، والإقتصاد، والشؤون الحياتية والإجتماعية، ومشكلات النزوح السوري، وأعباء الدين العام، والسياسة الخارجية؟ فلماذا إذاً تحميل مرشّح الرئاسة كلّ هذه الأثقال والأعباء التي لا قدرة له على تحمّلها ولا تدخل من ضمن الصلاحيات التـي أناطها له الدستور؟

هل المقصود من وضع الشروط وفرض «التفاهمات القسرية» عرقلة إنتخاب الرئيس في إنتظار ما ستسفر عليه الحروب السورية والعراقية واليمنية، والإنتخابات الأميركية، والإفراج عن كلمة السرّ الإقليمية، والإتفاق على تقاسم الحصص والمغانم؟

هل يمكن أن يكون هؤلاء هم حقاً زعماؤنا وقادتنا ونوابنا الذين أوليناهم ثقتنا منذ ثماني سنوات؟ إنّ الذي يحلّل ويبارك التمديد للمجلس النيابي مرتين، ويضرب عرض الحائط بآراء الناس وبالنظام والقانون والدستور، هل يمثّل حقيقةً هذا الشعب؟

وهل الذي يعطّل نصاب جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، «رمز وحدة الوطن»، ويعتبره حقاً من حقوقه الدستورية يحقّ له أن يدعو نفسه شرعياً وديموقراطياً ولو تعطّل البلد سنتين وخمسة أشهر؟ أيها السياسيون، مَن منكم بلا خطيئة فليرجم الرئاسة ومرشّحي الرئاسة بكلّ حجارة الأرض، ومَن منكم غير مرتبط بخارجٍ ما ولا يأتمر بأحد المعسكرَين المتصارعَين في المنطقة، فليرفع إصبعه عالياً ليكتشفه الناس البسطاء والمقهورون.

ما ذنب الرئاسة لكي تكون «مكسر عصا» عند هذا الفريق أو ذاك؟ وما ذنب الوطن كي ينهار ويتفتّت من أجل «عيون» هذا المرشّح أو ذاك؟ الرئاسة أيها السادة هي أهمّ وأرفع من خلافاتكم ومشكلاتكم وارتباطاتكم ونزواتكم، وهي الضمانة الوحيدة لكم ولطوائفكم وأحزابكم وما تـمثّلون، لا ترجموها ولا تقزّموا دورها ومكانتها بجعلها تنتظر إعلان الرئيس سعد الحريري، وسلة الرئيس نبيه بري، ومزاج النائب وليد جنبلاط، وقرار السعودية أو إيران…

هناك دستور واضح وضوح الشمس، ومجلس نيابي موجود بحكم إرادتكم (لا إرادتنا)، فما عليكم إلّا تطبيق الدستور، «يجتمع المجلس فوراً لأجل إنتخاب الخلف»، والتوجّه إلى المجلس النيابي في 31 تشرين الأول وتنتخبوا الرئيس الذي يمثّل إرادتكم وأفكاركم وطموحاتكم وليربح مَن يربح، أما إذا كنتم لا تعترفون بشرعية هذا المجلس، فهذا يعني أنّ الرئيس الذي سينتخبه مجلسكم غير شرعي، ولو إتفق كلّ الزعماء على إسمه،

وعندها، لا يوجد أمامكم سوى حلّين، لا ثالث لهما: إما الإتفاق فوراً على قانون إنتخابي جديد، وإجراء إنتخابات نيابية ثمّ رئاسية بأقرب وقت، وإما إجراء إنتخابات نيابية بموجب القانون الحالي، وليأتِ الرئيس الجديد من «رحم الأحزان»، ذلك لأنّ البلاد والعباد كفروا و»قرفوا» من خطاباتكم وتحليلاتكم وحججكم الواهية والمناقضة لأبسط مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان.

يقول «غاندي»: «ليس من الحكمة أن يكون الإنسان متأكداً من حكمته، إنه أمر صحّي أن يتمّ تذكيره بأنّ الأقوى يمكن أن يضعف، والأكثر حكمة يمكن أن يخطئ».

* باحث وكاتب سياسي