تساءل ديبلوماسي عربي: ما دامت سياسة المواجهة العسكرية التي انتهجتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) لم تنجح في تحقيق أهدافها، ولا سياسة الحوار التي انتهجتها إدارة الرئيس باراك أوباما، فما هي السياسة الناجحة التي ستنتهجها الاخيرة خلال ما تبقى من ولايته الثانية؟
هذا السؤال نوقش بين سياسيين وديبلوماسيين في حلقة ضيقة. بعضهم قال إن الرئيس أوباما لم يعد يخشى خسارة تجعله يحاذر حسم ما يواجهه كما كان وهو يفكر في الفوز بولاية ثانية، وتجنّب إغضاب اليهود طمعاً بأصواتهم، في حين بات في استطاعته الآن فرض حل الدولتين تحت طائلة التهديد بقطع المساعدات المالية والعسكرية، أو بفرض عقوبات على إسرائيل لإقناعها بقبول هذا الحل، ولا يخشى نقمة العرب إذا ما حسم الأزمات في المنطقة على نحو يرضي بعضهم ولا يرضي بعضهم الآخر، كي يخرج من سياسة اللاقرار، فحل الدولتين لم يتحقّق على رغم تكرار دعوة أوباما الى تحقيقه، ما جعل المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية تدور في حلقة مفرغة وتكون جولات الموفدين الاميركيين بحثاً عن سلام شامل في المنطقة غير مجدية، فظل هذا السلام ضائعاً أو مفقوداً. ولا الحرب في سوريا تمّ التوصّل إلى حلّ لها، فكان لاستمرارها تداعيات على دول الجوار ولا سيما منها لبنان. ولم يتوصّل المبعوثون الأمميون الى حل مقبول من كل الاطراف، فبعدما كانت المشكلة تكمن بوجود نظام الرئيس بشار الأسد، أصبحت الآن مزدوجة مع استمرار هذا النظام وتعاظم نشاط الحركات التكفيرية والارهابية، ليس في سوريا فحسب إنما في عدد من دول المنطقة، ما جعل الولايات المتحدة الاميركية تنشئ تحالفاً دولياً لضرب هذه الحركات. فهل ينجح الرئيس الاميركي في تحقيق ما يصبو اليه خلال ما تبقى من ولايته في حين لم يستطع ذلك من قبل؟
ثمة من يقول في معرض مناقشة ذلك ان الرئيس اوباما الذي لم يعد لديه ما يخسره قد يتخذ من الارهاب بعبعاً يخيف به الجميع ويجعلهم يتوحدون لمواجهته مقدّمين خطره على كل خطر آخر. وقد بدأ تطبيق ذلك في العراق من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تجعل كل القوى السياسية الاساسية فيه تتصدى للارهاب باعتباره العدو الأول، وتحاول الادارة الاميركية ان تفعل الشيء نفسه في سوريا بتجاوز الخلافات بين المعارضين لنظام الأسد والموالين له لجعلهم يوافقون على المشاركة في حكومة واحدة لتكون قادرة على ضرب التنظيمات الارهابية قبل كل شيء، ومن ثم البحث في مرحلة ما بعد ضربها بالذهاب الى انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس يمثل تمثيلاً صحيحاً شتى فئات الشعب السوري، وينتخب هذا المجلس رئيساً للجمهورية ويتم تشكيل حكومة في ضوء ما تكون عليه تركيبة المجلس. وهذا ما يجري العمل له في ليبيا واليمن. وقد نجحت مصر وتونس في وضع آلية حكم قادرة على مواجهة الارهاب.
ولا يمكن، من جهة اخرى، إبقاء النزاع المزمن قائماً بين الاسرائيليين والفلسطينيين والعرب لأن لا سلام ثابتاً ودائماً في المنطقة ولا استقرار فيها الا بإيجاد حل جذري لهذا النزاع. فإذا لم يتمكن الرئيس أوباما من الوفاء بوعده للفلسطينيين بإقامة دولة لهم إلى جانب الدولة الاسرائيلية لتأثره بضغط اللوبي الصهيوني، فإنه أصبح الآن في حلّ من هذه الضغوط وهو في النصف الأخير من ولايته الثانية بحيث يغادر البيت الأبيض وقد حقق ما يسجل له في التاريخ.
لقد نجح الرئيس أوباما في إقامة تحالف دولي لضرب التنظيمات الارهابية في المنطقة ليحول دون انتقال خطرها الى دول الغرب، فإذا توصل هذا التحالف الى تحقيق ذلك فإنه (أوباما) يكون قد أنهى ولايته بإنجاز مهم، خصوصاً إذا نجح في إنهاء النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، وقد يكون تأييد دول أوروبية لدولة فلسطينية والاعتراف بها حتى قبل أن تقوم، والاتجاه الى طرح الموضوع على مجلس الامن الدولي ما يجعل اسرائيل تقبل بحل الدولتين، إذ ان معظم شعوب العالم لم تعد ترى عدلاً في أن يكون للشعب الاسرائيلي دولة ولا يكون للشعب الفلسطيني دولة أيضاً. وما يجعل الرئيس الاميركي قادراً على تحقيق ذلك هو التقاء كل الدول الكبرى على مواجهة التنظيمات الارهابية، والتقاؤها أيضاً على وجوب حل النزاع مع اسرائيل في المنطقة كي تنعم بأمن ثابت واستقرار دائم، اذ ان دون حل هذا النزاع لا أمن ولا استقرار ولا ازدهار في المنطقة بل مزيداً من العنف والعمليات الانتحارية بدافع الفقر والظلم والقهر. فهل ينتقل الرئيس أوباما من سياسة اللاقرار الى سياسة القرار فيدخل عندئذ نادي الرؤساء الكبار، أم يجعل التاريخ ينساه إذا انتهت ولايته الثانية ولم يحقق شيئاً وأورث من سيأتي بعده الفشل؟