ليس بين التوقعات، قياساً على الوقائع، أن يستجيب الرئيس باراك أوباما مطالبة ديبلوماسيين أميركيين له بقصف النظام السوري. فهو رفض من قبل مطلب وزير الخارجية جون كيري القيام بخطوة عسكرية ما تقوي موقفه في التفاوض مع الروس. ولم يأخذ بتوصية في الاتجاه نفسه قدمها فريق الأمن القومي. ولا تردد في التراجع عن الخط الأحمر الذي رسمه شخصياً في موضوع الأسلحة الكيماوية. ومن الصعب أن يفعل بعد التدخل العسكري الروسي في حرب سوريا ما لم يفعله قبل أن يبدل الرئيس فلاديمير بوتين الميزان العسكري وقواعد اللعبة.
ذلك أن موقف أوباما من حرب سوريا، بصرف النظر عن خطاب الدعوة الى تنحي الرئيس بشار الأسد، كان محكوماً بحسابات التفاوض مع ايران على الملف النووي. فالقرار في كل مراحل المفاوضات السرية والعلنية كان تجنب أي خطوة تزعج الايرانيين وتبعد الاتفاق. والجائزة التي جعلها أوباما مركز اهتمامه الاستراتيجي هي الاتفاق النووي مع الرغبة في تفاهم سياسي على القضايا الاقليمية ودور طهران في المنطقة. لكن طهران حصلت على الاتفاق المناسب لها رافضة أن تبحث مع واشنطن في أي موضوع خارج الملف النووي. أو هكذا يقال في الخطاب. والسؤال هو: هل خسر أوباما رهانه الايراني؟
ما يفرض السؤال ليس بالطبع تلويح دونالد ترامب ب تمزيق الاتفاق النووي اذا وصل الى البيت الأبيض، ورد المرشد الأعلى علي خامنئي بالاستعداد ل إحراق الاتفاق. فهذه سلسلة افتراضات مترابطة لا بداية لها إن خسر ترامب المعركة أو بلع كلامه بعد ممارسة السلطة بتأثير الاشبلشمنت. والبحث عن جواب يدور عملياً حول حسابات ايران الجيوسياسية وتأثيرها على رهان أوباما.
ولا شيء يكمل القراءة في حديث أوباما الى مجلة اتلانتيك سوى القراءة في كلام مستشاره الأقرب بنيامين رودس في النيويورك تايمس. فالمستشار الاستراتيجي كشف أن المحادثات السرية بين واشنطن وطهران بدأت في عُمان بعيد وصول أوباما الى البيت الأبيض وقبل انتخاب حسن روحاني رئيساً. وحدد الهدف من المفاوضات ب ايجاد مساحة لأميركا بحيث تفك نفسها عن النظام القائم للتحالفات مع السعودية ومصر واسرائيل وتركيا. لا بل اعترف بأن ايران تمثل مركز القوس في سياسة أوباما، وان واشنطن تستطيع من خلال خطوة شجاعة، هي بالطبع التفاهم مع ايران، بدء عملية فك ارتباط كبيرة مع الشرق الأوسط.
وليس هذا ما حدث. فاللعبة لا تزال معقدة بين أميركا وايران في العراق وسوريا واليمن ولبنان وسواها. والطابع الاستراتيجي لا يزال يسيطر على التحالف الأميركي – السعودي. ولا مهرب لأميركا من اسرائيل وتركيا ومصر، برغم الخلافات. والارهاب ليس العامل الوحيد الذي يدفع أميركا وروسيا الى اعادة التركيز على الشرق الأوسط.