لم ييأس زعيم تركيا ورئيس جمهوريتها رجب طيب أردوغان من رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما اقتراحه القديم – الجديد إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية يحظّر تحليق الطيران الحربي في أجوائها، وخصوصاً الذي ينتمي منه إلى سلاح الجو في الجيش الذي لا يزال مؤيداً لنظام الرئيس الأسد ومقاتلاً من أجل بقائه. ولذلك أعاد طرحه مع نائب الرئيس جو بايدن في أثناء زيارته أنقرة قبل أسابيع، ولذلك أيضاً يستمر في طرحه على واشنطن بل على المجتمع الدولي في مؤتمراته الصحافية، وفي لقاءاته الكثيرة مع زعماء الدول الكبرى. وفي محاولة لإقناع بايدن، أشار أمامه إلى إمكان إقامة منطقة حظر جوي آمنة من دون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن. إذ أن وسائل الدفاع الجوي لـ”التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب” وطيرانه الحربي لن يُستعملا للتصدي للطيران الروسي أو الإيراني أو غيرهما لأنهما لن يعتديا على السوريين في المنطقة الآمنة، بل سيقتصر تحرّكه على مواجهة الطيران السوري الذي قتلت غاراته آلاف السوريين ودمرت قرى وبلدات وقرى بكاملها، والذي من دونه ما كان الأسد يستطيع الإستمرار رغم الدعم الخارجي البشري والتسليحي الذي تلقاه من إيران الإسلامية، والذي شاركت في جزء منه روسيا الإتحادية. ذلك أن الجيش النظامي البري كان يتعرّض إلى استنزاف قاتل وإلى فرار أعداد كبيرة منه. ولم يكن أمام الرئيس بشار الأسد سوى اللجوء إلى الطيران فاستعمله يومياً وعلى مدى سنتين ونصف حتى الآن. ورغم أن الثائرين عليه لم يمدهم أحد في المجتمع الدولي بأي أسلحة فاعلة لمواجهة طيرانه، فإنهم تمكّنوا وبوسائل عدة منذ اندلاع الثورة قبل أقل من أربع سنوات من تدمير أو إعطاب 200 طائرة أو إخراجها من الخدمة من أصل 500. وتمكّنوا من تدمير خمس قواعد عسكرية جوية من أصل 25 قاعدة، أو من الإستيلاء عليها. كما تمكّنوا من فرض حصار مُحكم على سبع أو ثماني قواعد. ورغم ذلك لا يزال الطيران الحربي للنظام يشكِّل بيضة القبّان في الصراع حتى الآن. وطبعاً لم يكن ذلك ممكناً لولا قيام روسيا وإيران بالتعامل معه كأنه لهما من حيث التسليح والصيانة والتدريب وما إلى ذلك. وقال أردوغان أيضاً لبايدن وأعضاء الوفد المرافق له من عسكريين ومدنيين إنه من الأفضل تدريب الـ5000 ثائر من المعارضة السورية المعتدلة الذي التزم أوباما القيام به على أرضهم بدلاً من القيام بذلك في المملكة العربية السعودية أو حتى في الأردن المتاخم لسوريا.
طبعاً لم يقطع بايدن أي وعد لأردوغان في الإجتماع المشار إليه بإقناع الرئيس أوباما، ولم يعلن أمام الإعلام أنه اقتنع بطروحات الزعيم التركي. لكن المعلومات التي توافرت عند مصادر ديبلوماسية غربية واسعة الإطلاع أفادت أنه اقتنع ضمناً بالمنطقة الآمنة رغم أن الفشل كان من نصيب غالبية الموضوعات التي تناولها البحث. وقد أعرب عن ذلك لرئيسه أوباما بعد عودته إلى واشنطن. لكن الأخير استمر رافضاً المنطقة السورية الآمنة، وقد شجّعه على ذلك وزير خارجيته جون كيري ومستشارته لشؤون الأمن القومي سوزان رايس. أما وزير الدفاع تشاك هيغل فقد تبنى المنطقة المذكورة، وإزاء رفض أوباما لها استقال أو “استُقيل”. ولم يتعرض بايدن إلى هذا المصير لاعتبارات كثيرة، لكن يبدو الآن أنه ابتعد نوعاً ما عن سيد البيت الأبيض.
ما هي أسباب رفض أوباما في رأي المصادر نفسها؟
“حشرة” الإنتخابات النصفية في تشرين الثاني الماضي هي أحد الأسباب. وخسارته لها سبب آخر. ذلك أنه وقع جراء ذلك بين “فكّي” الحزب الجمهوري الأميركي و”خصمه” رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. والإثنان موجودان بقوة، والبعض يقول مسيطران الآن على الكونغرس. ولذلك كله فإن أوباما متمسِّك بكل موقف اتخذه كي لا يضطر إلى إرسال قوات أميركية برية إلى العراق أو سوريا. وأقصى ما يقبله هو إرسال خبراء وبأعداد مهمة ومدرِّبين، كما قبوله بتمركزهم قريباً من مناطق القتال. إلا أن الضغوط عليه لتغيير موقفه هذا تتصاعد ليس فقط من الجمهوريين بل من حزبه الديموقراطي، ولذلك فأنه لا بد أن يلين يوماً ما وخصوصاً عندما يجد نفسه مضطراً إلى المساومة مع الكونغرس على شيء يكرس شرعيته التاريخية في مقابل الإنخراط في القتال البري مباشرة أو مداورة.