حتى الذين يستشهدون لا ينتهون في لبنان، فكم بالحريّ الذين هُم أحياء؟ وكم بالأحرى إذا كانوا من الشباب وبروح الشباب؟
يعلمنا التاريخ في لبنان ان المال لا يصنع زعامة وان الفقر لا يُنهي زعامة.
يعلمنا التاريخ في لبنان كم من الزعماء ماتوا في عوز، وكم من مقتدرين ولديهم الملاءة غابوا ولم يدرِ أحدٌ بهم.
***
الرئيس اللواء فؤاد شهاب خرج من الرئاسة فقيرا، لكنه الاسم الأول الذي يتبادر الى الذهن لدى الحديث عن زعامة دولة المؤسسات. ولم ينته عند خروجه من سدة الرئاسة بل تحوّل الى مقصد للنهب من معين النزاهة.
***
الرئيس الراحل كميل شمعون سكن في شقة في الأشرفية بعد تهجير الدامور والسعديات عام 1976، وبقي في تلك الشقة حتى وفاته عام 1987. أكثر من عشر سنوات في شقة متواضعة في مبنى في الاشرفية، ولم ينل هذا التواضع قيد أنملة من زعامته.
لم يقل أحدٌ عنه انه انتهى حين هُجِّر من منزله وحين شُنَّت على حزبه عملية عسكرية، بل عاد الزعيم الرقم واحد عند المسيحيين حتى وفاته، وعلى رغم مرور نحو ثلاثين عاما على وفاته فإنه ما زال حاضرا في وجدان من عاصروه وفي وجدان جيل الشباب.
***
لا أحد على الإطلاق يشكك في زعامة الرئيس رشيد كرامي، كان حين ينتقل من الشمال الى بيروت، يقيم في منزل يملكه أحد ابناء عائلة درنيقة. فهل أثّر ذلك في زعامته؟ وهل تجرأ أحدٌ على القول انه انتهى؟
***
هل انتهى الزعيم صائب سلام حين أبعد قسرا ليعيش في جنيف؟
هل انتهى ضمير لبنان في عيون أنصاره، ريمون أده حين غادر قسرا وعاش في فرنسا وكان يبيع أراضي له ليعيش؟
هل انتهت زعامة ميشال عون حين ترك قصر بعبدا بعد قصفه بالطيران ولجوئه الى السفارة الفرنسية ثم نفيه الى فرنسا؟
ألم يُقل ان سمير جعجع انتهى يوم اعتقل وحوكِمَ؟
كم من مرة قيل ان بيوتات سياسية ستُقفل وسينبت العشب على عتباتها لأنه لن يزورها أحد، ثم تنتفض من جديد؟
السلسلة تطول ولا تنتهي، كم من زعيم عاش فقيرا ومات فقيرا ولم تتأثر زعامته بشيء:
القلوب الكبيرة أهم في احيان كثيرة من الجيوب المليئة.
وان يُحسب حساب مشاعر الناس وهمومهم والاحساس معهم أهم بكثير من الحسابات البنكية.
***
كل هذه العوامل الآنفة الذكر لم تُقفل بيتا سياسيا في لبنان، فكيف اذا كان هذا البيت بيت الوسط للرئيس الشاب سعد الحريري الذي اعطى الجميع من دون استثناء، ولم يأخذ من عطاء؟
هذا البيت هو زعامة عطاء وليس زعامة أخذ.
هذا البيت هو زعامة وفاء وليس زعامة طعن في الظهر.
هذا البيت هو زعامة اليد الممدودة للصفح والمصافحة والسلام وليست اليد الحاملة السكين للانقضاض.
هذا البيت هو مدرسة في النبل والتعالي على الجراح ورفض التجريح، لا يعرف الحقد ولا الثأر ولا الانتقام.
وحين تكون الزعامة من هذه الطينة ومن هذه الصفات، فلا خوف عليها سواء أكانت من اصحاب الملايين أم من أصحاب من وضعوا الملايين في خدمة الناس.
هذه الزعامة تضمر وتخفت لكنها لا تضمحل.
ان الانتخابات النيابية لناظرها قريب، ومن يعِش يَرَ ان النتائج لن تخذل من كان الوفاء عنوانهم.
وللمستعجلين نقول من طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.