يتطلع الموفد البابوي الى لبنان الكاردينال دومينيك مومبرتي من خلال مهمته الموكلة اليه من الكرسي الرسولي وعلى رأسها امرين هامين:
– الاول: يتمثل باستطلاع الارض ميدانيا للواقع المسيحي المعيوش في لبنان بعد سلسلة النكسات التي اصيب بها في معظم بلدان الشرق الاوسط يضاف اليها هجرة المسيحيين المتفاقمة من ارضهم الاصلية الى غير رجعة وهذا ما يقلق الكرسي الرسولي بشكل كبير كما اوحى مومبرتي من خلال اشارته في بكركي الى الوجود المسيحي في الشرق.
– الثاني: حث القادة المسيحيين الذين سيلتقي بهم بالاسراع بانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون وضع مواصفات محددة ولكن اوساط بكركي تنقل عن مومبرتي ان الفاتيكان مقتنع بضرورة وصول شخصية قوية الى رئاسة الجمهورية ولكن تفاصيل التفسيرات لهذا المعنى بالذات لا يمكن الدخول فيها خصوصا ان ما يهم الكرسي الرسولي ان يصل رئيس يتمتع باحترام مجتمعه اولا لشخصه ثم سائر المكونات اللبنانية.
– في الامر الاول يستند الموفد البابوي حسب اوساط روحية الى ان بقاء المسيحيين في لبنان اقوياء ومتحدين لا بد ان ينعكس على الوجود المسيحي في الشرق حتى ولو كان ضئيلا ذلك ان افراغ ارض المسيح من اتباعه امر خطير وبالغ الاهمية وليس بالامكان تصوره، وان مومبرتي جاء متأخرا عن موعده في اشارة الى تجميع خلاصة اتصالات البابا مع الدول الكبرى والاقليمية بحيث يمكن اطلاق مبادرة بغية التطلع الى مصير المسيحيين في الشرق.
وتقول هذه الاوساط الروحية ان كافة المكونات اللبنانية وخصوصا الاقليات تتطلع الى بناء علاقات مهما كانت صعبة من اجل البقاء وهكذا يفعل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لحماية دروز سوريا ولبنان وهو لم يتوان عن نزع صفة الارهاب من «جبهة النصرة» وهي فرع من تنظيم «القاعدة» الارهابي كي يحفظ ابناء طائفته من الذوبان كما يحصل لهم في مناطق ادلب ودير الزور في سوريا، وكذلك يفعل الشيعة في لبنان حيث تبدو الجمهورية الاسلامية في ايران مرشدة لهم في مصائرهم وتعمد الى دعمهم بشتى الوسائل، اما الطائفة السنية فان السعودية تتكفل بحمايتها ولكن من يولي المسيحيين ويكون سندا لهم؟ الجواب حسب هذه الاوساط ان الطوائف المسيحية في لبنان تبدو وكأنها متروكة في مهب الريح بالرغم من النداءات المتكررة من المراجع الدولية على ضرورة حمايتهم وتقول: ان على مسيحيي لبنان التمسك بمبادرة البابا فرنسيس وعدم الاذعان الى السياسات الكبرى والدخول في دهاليزها منعا للوقوع في المطبات التي ربما تطيح هذه المرة بما تبقى من وجود مسيحي في لبنان، وهذا الامر بالذات يمكن ان يشكل مادة دسمة للموفد البابوي تتيح له المرور من خلالها على الزعماء الموارنة والمسيحيين بشكل عام من اجل وعي المخاطر الكبيرة والمصيرية التي تتهددهم.
– في الامر الثاني فان نصف مهمة مومبرتي يرتكز عليها وهي تتمثل بالاجتماع بالقادة الموارنة من اجل وضعهم في آخر لقاءات الكرسي الرسولي مع المراجع الدولية والتي استنادا الى هذه الاوساط الروحية لم تنل صدى يعزز مهمة انتخاب الرئيس الجديد بفعل ما سمعه البطريرك الراعي اولا من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته الى فرنسا من ان باريس تضع المسؤولية على اللبنانيين وخصوصا المسيحيين منهم ولذلك فان الموفد البابوي لا يمكنه استيلاء حلول من عندياته باستثناء الضغط او التمني على المسيحيين واقناعهم بضرورة التنازل عن بعض الامور الشخصية في سبيل تحقيق المصلحة المسيحية، ولكن هذه الاوساط غير متفائلة بتجاوب القيادات المارونية ومسألة اقناعهم تبدو مهمة مستحيلة اذا لم يقتنعوا هم بمهامهم الوطنية في الحفاظ على الوجود المسيحي ولمعرفة مومبرتي سلفا ان انتخاب رئيس جديد للبلاد في هذا الوقت الذي تعيشه المنطقة والصراع الاقليمي الحاد، وسوف يضع مومبرتي القادة الذين سيلتقيهم في جو الهجرة القوية الحاصلة للمسيحيين الى الخارج لربما وجد لديهم رؤية تحقق مصالحهم في البقاء اقله في لبنان…. وليس في بعبدا فقط!!
هذا واستكمل امس موفد البابا جولته على السياسيين، فزار رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في السراي الكبير، يرافقه السفير البابوي غبريال كاتشيا، وتناول البحث الأوضاع والتطورات الراهنة على الساحة الداخلية خصوصا انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
كما زار مومبرتي وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل محافظ المحكمة العليا للتوقيع الرسولي الكاردينال دومينيك مومبرتي، يرافقه السفير كاتشا.
بعد اللقاء قال مومبرتي: «اتيت الى لبنان قبل كل شي من اجل أمور كنسية، ثم لإجراء لقاءات داخل المؤسسات الكنسية ولأنقل إليكم تحيات الأب الاقدس وقلقه في ما يتعلق بالأوضاع في المنطقة عموما وبشكل خاص وضع المسيحيين في منطقة الشرق الاوسط، ولطمأنة اللبنانيين، في هذه المرحلة من تاريخهم، ان قداسة البابا يقف الى جانبهم دائما، والكرسي الرسولي يقدر كثيرا التركيبة اللبنانية التي قال عنها البابا القديس يوحنا بولس الثاني، «بأن لبنان بلد الرسالة».
اضاف: «لقد تحدثنا مع الوزير باسيل عن الوضع الدولي والاقليمي بشكل خاص، وكررت له ما انا بصدد التعبير عنه، ان الكرسي الرسولي يتطلع دائما بإهتمام كبير وبعاطفة كبيرة الى لبنان، وأنه قريب من بلدكم وخصوصا في ما يتعلق بإتصالاته الدولية. وهو يؤكد مجددا أهمية هذا البلد واهمية العيش المشترك بين مختلف الطوائف فيه من أجل ان نبني معا مستقبلا مشتركا له. انها رسالة مهمة قدمها لبنان في هذه المرحلة، في ان يستمر بأن يكون نموذجا في وسط عالم صعب يهيمن عليه العنف في غالب الأحيان، وانه يجب على هذا البلد الذي أعطى على مدى قرون نموذجا من العيش المشترك بين طوائفه المختلفة، أن يستمر في إعطاء هذا المثل».
وتابع: «بالتأكيد، ان الوضع المؤسساتي يشغل بال المجتمع الدولي وبالنا أيضا، ونحن نأمل دائما أنه عبر الحوار سيكون من الممكن تخطي المرحلة الحالية والتوصل الى إستقرار أكبر للمؤسسات اللبنانية التي هي ضرورية جدا في ظل الاطار الاقليمي الذي ذكرته».
وعما اذا كانت هناك من زيارة قريبة لقداسة البابا الى لبنان، اجاب: «في هذه السنة ليست هناك من زيارة على جدول أعمال قداسة البابا الى لبنان، ولكن اؤكد لكم مجددا ان قداسته قريب جدا من اللبنانيين، وهي الرسالة التي حملني اياها اليكم جميعا».