يمكن القول إن اللبنانيين وقادتهم على اختلاف اتجاهاتهم و مشاربهم ومذاهبهم متفقون على ان يبقى لبنان حياً وسط العواصف العاتية التي تهب على المنطقة، لكنهم مختلفون على الوسيلة، ومتفقون ايضاً على مكافحة الارهاب والتصدي له، لكنهم مختلفون ايضا على الوسيلة.
لذلك، فان الدعوة الى وضع “استراتيجية وطنية” تحمي لبنان من اعدائه هي الدعوة التي تعيد كل الاقطاب الى طاولة الحوار للبحث في تفاصيلها، وقد تنهي الخلاف حول الوسيلة الفضلى التي تجعل اللبنانيين يجمعون عليها كما أجمعت الدول الشقيقة والصديقة على جعل لبنان آمناً مستقراً خلافاً لما هي عليه دول عدة في المنطقة.
لقد ظهر الخلاف جلياً بين خطاب الرئيس سعد الحريري في الذكرى العاشرة لاغتيال والده الشهيد وخطاب السيد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء الثلاثة، وهو خلاف لم يفسد للحوار ضرورته من اجل تخفيف الاحتقان ومنع الفتنة كي تبقى الوحدة الوطنية هي السلاح الامضى في مواجهة التحديات. فالرئيس الحريري يرى في انسحاب “حزب الله” من سوريا سبيلاً للمحافظة على امن لبنان واستقراره وتعزيز الوحدة الوطنية فيه، في حين يرى السيد نصرالله ان ذهاب اللبنانيين الى سوريا هو السبيل لحماية لبنان من الارهاب قبل ان يصل اليه. ويرى الرئيس الحريري ان سياسة النأي بالنفس عما يجري حول لبنان هي السبيل لحمايته، في حين يرى السيد نصرالله ان لا مكان على ارض الواقع لهذه السياسة لان لبنان هو جزء من المنطقة يصيبه ما يصيبها، وعليه ان يكون موجوداً في الساحة ليكون له كلمة في تقرير مصيره، خصوصاً في وقت “يصنع مصير العالم في المنطقة” وتكون اسرائيل هي المستفيدة. فليس اذاً سوى العودة الى طاولة الحوار ما يجعل البحث مفيداً حول سبل حماية لبنان من العواصف التي تهب على المنطقة بحيث توضع استراتيجية وطنية لهذه الغاية. فإما تكون هذه الاستراتيجية لبنانية، أو تكون جزءا من الاستراتيجية الدولية التي تحتّم انضمام الجميع الى التحالف الدولي لمكافحة الارهاب، او توضع استراتيجية عربية واقليمية يكون لبنان جزءاً منها، أو توضع استراتيجية أوسع تضم كل الدول الاسلامية في المنطقة ويكون لها قوة مشتركة تجعل المواجهة فاعلة بين الاسلام المعتدل والاسلام المتطرف والتكفيري، فخطر الارهاب لم يعد في امكان اي دولة بمفردها مواجهته والتغلب عليه، بل بات يحتاج الى تحالف دولي واسع أو تحالف عربي واسلامي، فاذا كان مطلوباً من لبنان وبالاتفاق بين جميع اللبنانيين ان يبقى خارج كل التحالفات، فان عليه في هذه الحال ان يعتمد في مواجهة خطر الارهاب على قواته المسلحة وعلى وحدة شعبه وعلى سلاح “حزب الله” بوضعه في تصرف هذه القوات، أو بتنسيق بينها وبين مرجعية الدولة على استخدامه حيث يجب. وعندما ينتشر الجيش وقوى الامن الداخلي بعد تسليحهما بأسلحة متطورة بالتمويل السعودي ويؤازرهما كل الشعب والمقاومة، فلن يكون في مقدور الجماعات الارهابية والتكفيرية عندئذ اجتياز حدود لبنان، ولن يكون لها بيئة حاضنة في اي منطقة. وهو ما يجب الاتفاق عليه في الحوارات الجارية او في حوارات اوسع كي يكون للبنان استراتيجية وطنية تحميه من الارهاب ومن كل معتد، وتصلح في الوقت عينه لصد اي عدوان اسرائيلي. فهل يصير اتفاق على وضع هذه الاستراتيجية، ام يكون خلاف عليها كما حصل عند البحث سابقاً فيها فكان ذلك سبباً لجعل ابواب لبنان مفتوحة للارهاب ولكل معتد؟
لقد التقت القيادات، على اختلاف اتجاهاتها ومشاربها ومذاهبها، على الترحيب بالدعوة الى وضع استراتيجية وطنية تحمي لبنان من الارهاب والتفكيريين، فهل تلتقي على صوغ هذه الاستراتيجية التي يحتاج صوغها الى وجود رئيس للبلاد يسهر على تطبيقها ويكون الضابط لها؟ اذ لا يعقل ان تبقى دولة بلا رأس وان يبقى وطن بلا شعب. فاذا كانت الضرورة تقضي بالاتفاق على استراتيجية وطنية تبقي لبنان حياً الى ان تنجلي صورة الوضع في المنطقة، فان انتخاب رئيس للجمهورية هو ضرورة ايضا، وقبل ان يذوب الثلج على الجبال وتبدأ المعركة مع الارهاب، وهو ما نبه السيد نصرالله اليه، وهي معركة تفرض ان يكون للدولة راس وللقوات المسلحة نصير من كل الشعب ومن كل مقاوم، استراتيجية تحمي لبنان بوحدة ابنائه وتدافع عن كل حدوده ولا علاقة لها بأي استراتيجيات اخرى حرصاً على حياده وابقائه بعيداً عن كل الاستراتيجيات الدولية والعربية والاقليمية، او يكون جزءاً منها فيصيبه عندئذ ما يصيب سواه في المنطقة، ولا يعود هو الذي يقرر مصيره انما الدول الكبرى التي تقرر أيضاً مصير دول المنطقة، لانه عندما يدخل الكبار يقف لهم الصغار… فهل يتفق اقطاب الحوار على الاستراتيجية التي تحمي لبنان فيعود “حزب الله” من سوريا ليقف مع الجيش والشعب في التصدي للمجموعات الارهابية قبل ان يذهب لبنان مع الريح… اذا سبق الارهاب الاتفاق على الاستراتيجية؟!