IMLebanon

هل «قطفها» جعجع بمقاطعة الحوار؟

بعد مرور أسبوع على إطلاق رئيس المجلس النيابي نبيه بري لمبادرته الحواريّة، وقبل ثلاثة أيام من بدء «الترجمة العمليّة» لهذه المبادرة من خلال الجلسة الحواريّة الأولى، يبدو أنّ الصورة باتت أوضح وأعمّ، خصوصًا بعدما تبلورت مواقف مختلف الأفرقاء منها التي تدرّجت منذ الاثنين الماضي بين الترحيب المُطلَق مرورًا بالترحيب الحَذِر وصولاً إلى الرفض والمقاطعة.

ويتلاقى كلّ من «حزب الله» و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«تيار المردة» في المستوى الأول، وفقاً لمصادر سياسية، حيث تلفت إلى أنّ هذه الأحزاب تتفق على أنّ الحوار هو من أوجب الواجبات في هذه المرحلة، خصوصًا بعدما اصطدمت كلّ الأمور بالحيطان المسدودة، وطالما أنّ كلّ فريقٍ متشبّثٌ بمواقفه ويرفض تقديم أيّ تنازلٍ من أيّ نوعٍ كان، وبالتالي فإنّ الحوار يمكن أن يكون فسحة أمل تفتح كوّة في الجدار السياسي. وتشير المصادر إلى أنّ هذه الأحزاب سارعت إلى إعلانها موقفها المؤيّد للحوار منذ اللحظة الأولى، وهي ترى فيه ملاقاة للحراك الشعبي في منتصف الطريق، لأنّ المطلوب وضع الملفات الشائكة على طاولة البحث، للوصول إلى حلولٍ منطقيّةٍ لها ومُرضِية للجميع.

ولا يبدو «حزب الكتائب» بعيدًا عن هذا المنطق الحواري، وفقاً للمصادر السياسية، التي تلفت إلى أنّ «الكتائبيّين» تاريخيًا لم يرفضوا أيّ دعوةٍ للحوار، بل كانوا من رواد الحوار والداعين له، وهم اليوم يشعرون أنّنا أحوج ما نكون إلى هذا الحوار خصوصًا بعدما وصلت البلاد إلى حافة الانفجار والهاوية. ولا تذيع المصادر سراً عندما تكشف أنّ «حزب الكتائب» كان أصلاً من الأفرقاء الذين «حرّضوا» على مثل هذا الحوار، مذكّرة بالزيارة التي قام بها رئيس الحزب النائب سامي الجميل إلى عين التينة قبل فترة، حيث طرح على رئيس المجلس النيابي مجموعة أفكار وصفها بـ «الإنقاذية» من دون أن يكشف عن فحواها وقتذاك، وإن بدا واضحًا أنّ الحوار هو ركيزتها الأساسيّة بطبيعة الحال.

ومن الترحيب المُطلَق بالحوار، انطلاقاً من مبدأ أنّ الحوار هو طريق الحلّ أولاً وأخيراً، إلى الترحيب الحَذِر الذي تموضع فيه بشكلٍ أساسي رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، الذي تفسّر المصادر السياسية موقفه انطلاقاً من القول الشهير «لا معلّق ولا مطلّق»، فهو لم يبدِ «تشدّقاً» بالحوار كما فعل الكثيرون، ولكنّه لم يقطع الطريق أمامه في المقابل، بل اعتبره كـ «اختبار» يستحقّ أن يُعطى «فرصته» لعلّه وعسى يحقّق شيئاً ما. وبالتالي، تشير المصادر إلى أنّ العماد عون يشارك بالحوار من باب الرغبة بالوصول إلى حلول، وهو سيطرح «خريطة طريق» واضحة للحلّ في الجلسة الأولى قوامها الانتخابات النيابية أولاً وفق قانونٍ انتخابي عادلٍ يتمّ إقراره في أقرب وقتٍ ممكن، ولا مانع من الاتفاق على خطوطه العريضة في طاولة الحوار، وهو سيستمع لما سيطرحه الأفرقاء الآخرون في هذا الصدد، فإذا لمس أنّ هناك تجاوبًا مع مبادرته ونيات صادقة بالحلّ كان به، وإذا لمس أنّ البعض لا يرى في الحوار سوى محاولة للالتفاف على الشارع وتمرير المرحلة بانتظار المعجزة الخارجية، فسيكون له الردود المناسبة، والتي قد يكون أقلّها الانسحاب من الحوار.

وحده رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «تجرّأ» وأعلن رفضه المُطلَق للحوار، مبرّراً ذلك بأنّه «مضيعة للوقت»، مقدّمًا في المقابل «شروطاً تعجيزية» لإعادة النظر بموقفه هذا منها أن يعلن «حزب الله» مشاركته في جلسة انتخاب الرئيس المقبلة في الثلاثين من أيلول، وهو ما لا يبدو واقعياً أو منطقياً إلا في حال التوصّل إلى حلول فعليّة قبل هذا التاريخ. وتشير هذه المصادر إلى أنّ موقف جعجع أتى «شعبيًا» بدرجةٍ كبيرة، وهو «ينسجم» أيضًا مع غياب «الحكيم» عن الحكومة السلاميّة لعدم اقتناعه بجدواها في ضوء تركيبتها المعقّدة، ما يوحي بأنّ جعجع ماضٍ في ما يصفها أنصاره بـ«مبدئيّته» على هذا الصعيد.

وإذا كان كثيرون يعتبرون أنّ جعجع قد يكون «قطفها» بالفعل من خلال مقاطعة الحوار، باعتبار أنّه يرفض الانخراط في «تمثيليّة» هدفها أبعد ما يكون عن الوصول إلى حلولٍ حقيقيّة للأزمات المستفحلة في الوطن طالما أنّ أحدًا ليس مستعدًا بعد لتقديم «التنازلات المؤلمة» المطلوبة، وأنّ الجميع لا يرون «الحلّ» إلا بملاقاتهم وتنفيذ مطالبهم، فإنّ المصادر تشير إلى أنّ جعجع كان بإمكانه أن يشارك في الحوار، أقلّه في الجلسة الأولى بعنوان «جسّ النبض»، ليفرض بعد ذلك «شروطه»، الواقعية منها لا التعجيزية، على الطاولة، ومنع الحوار من الانحراف عن «بوصلته» التي يراها جعجع محصورة في «انتخاب الرئيس أولاً»، أي بمعنى آخر أن يحذو حذو وزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» الذين يرون أنّ بقاءهم في الحكومة وتفجيرها من الداخل إذا دعت الحاجة يحقّق مطالبهم أكثر من الخروج منها من دون ترك أيّ تأثيرٍ فعلي وعملي.

عمومًا، تعرب المصادر عن اعتقادها بأنّ الحوار هو «مغامرة» بكلّ ما للكلمة من معنى، وهو قد يكون «نعمة» إذا أحسن المتحاورون استثماره عمليًا، كما قد يكون «نقمة» إذا ثبت ما يتداوله الشارع اليوم أنّ النيات المبيّتة وراء هذا الحوار ليست صافية أو سليمة مئة في المئة، بل أنّه يأتي فقط لاحتواء الحراك المطلبي في الشارع، وقد نجحوا في ذلك إلى حدّ كبير. وفيما تؤكد المصادر أنّ «الرهان المفرط» على هذا الحوار في الوصول إلى الحلول قد لا يكون في مكانه، رغم ما قيل ويُقال عن «مباركة دولية» يحظى بها، فإنّها تلفت إلى أنّ التوصيف الأبرز له قد يكون أنّه نسخة مكرّرة لحوار «حزب الله» و«تيار المستقبل»، بمعنى أنّ هدفه الحقيقي لن يكون الوصول إلى حلول أو قواسم مشتركة بين الأفرقاء، وإنما سيكون هدفه «تنفيس الاحتقان» الذي بلغ مداه في الشارع خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبالتالي تكريس «التهدئة» على أرض الواقع.

في الختام، تؤكد المصادر أنّ التحرّكات الشعبية التي يُحكى عن تنظيمها في وجه الحوار ينبغي أن تؤخَذ بعين الاعتبار، واحتواءها لا يكون إلا بجعل الحوار منتجاً ومثمراً، لأنّ خلاف ذلك سيجعل الحوار مجرّد حلقةٍ جديدةٍ من مسلسلات «الضحك على الذقون» اللبنانية الشهيرة، والتي قد يكون زمانها قد ولّى إلى غير رجعة…