Site icon IMLebanon

هل العودة ممكنة إلى «دولة جبل الدروز» (1921) ؟

والآن جاء دور الدروز في سوريا. لقد نضجَت «الطبخة» لطرحِ مصيرِهم على الطاولة، بعدما سلكَ الآخرون مسارَهم وعرفوا مصيرَهم في «سوريا السابقة»: الأكثرية السُنّية والأقلّيتان العَلوية والكردية، وبينهما «يتدبَّر المسيحيّون رأسَهم».

في المراحل الأولى من الحرب السوريّة، لم يَبرز الملف الدرزي. الأرجَح لأنّ جبلَ الدروز واقعٌ في محاذاة الحدود مع إسرائيل، وهي أرادت إبقاءَ الملف الدرزي مَطويّاً حتى المرحلة الثانية من عملية «الفَكفكة» في سوريا. فإسرائيل تفَضِّل معالجة الملفّات المتعلقة بها بعد زوال العواصف وانجلاءِ ما خَرّبته على الأرض.

لقد تبلورَت ملامحُ المناطق السنّية («داعش» وسواها) والعَلوية والكردية، في الشمال والوسط. ورضخَت الأقلّية الدرزية في جبل السمّاق (100 ألف نسمة) تلقائياً لـ«النصرة». ولكن في السويداء (نصف مليون نسمة)، تسمحُ المعطيات الديموغرافية والجغرافية والسياسية والتاريخية بالبحث عن سبيلٍ للصمود.

لو كانت سوريا ستَعود موحّدةً، لكان محسوماً مستقبل الجميع مهما طال أمَد النزاع، لكنّها ذاهبةٌ إلى التفكُّك. ولذلك، ليس أمام الدروز سوى الاستقلال ضمن منطقتِهم، لئلاّ يَخضعوا لنفوذِ أصحاب الفتاوى التكفيرية.

وقد أيقظَت مجزرة قلب لوزة هواجسَهم التاريخية النائمة، وهُم مقتنعون بأنّهم يتعرّضون لاستغلال مزدوج:

– النظام لا يَهتمّ لمصيرهم كما يَهتمّ بالعَلويين. وهو لا يريد من السويداء إلّا رجالَها ليقاتلوا إلى جانبه، ومنع السيطرة على طريق دمشق.

– «النصرة» تريد إخضاعَ جبل الدروز. ومِن أهداف مجزرة جبل السمّاق الضغط في السويداء.

لذلك، تَتنامى لدى الدروز رغبةٌ في التمثّل بالأكراد، لئلّا يصبحَ مصيرُهم كمصير الأشوريين والكلدان والأزيديين في العراق. وسبقَ لبعض قادةِ الدروز في سوريا ولبنان، ولا سيّما النائب وليد جنبلاط، أن «سايرَ» «النصرة» إلى حدّ اعتبارها «غير إرهابية»، ورفعَ منسوبَ حملتِه على النظام، واضطلعَ بدورِ الوسيط في ملف العسكريين اللبنانيين، لعَلّ ذلك يَرفع الأذى في سوريا.

لكنّ المجزرة وقعَت. وهو على رغم رَدِّه العقلاني عليها، لم يَحظَ سوى ببيان يَعتبر الحادثَ فَرديّاً!. فهل يَستطيع الدروز أن يَتأطَّروا ضمن «جبَلهم»، ويواجهوا التحدّيات انتظاراً لتبَلوُر الخيارات السورية الكبرى؟

يبدو صعباً على الأقلّية الدرزية في السويداء أن تواجهَ «النصرة» أو «داعش» عسكرياً. فالأسد بقدراته العسكرية الهائلة عجِزَ عن استعادة المناطق الشاسعة التي فقدَها، فكيف للمجموعة الدرزية الصغيرة أن تواجه؟

لكنّ المثيرَ هو أنّ أقلّيةً موازية للدروز، في الشمال، هي الأكراد، استطاعت أن تخلقَ إطارَها المريح، على رغم بعض الضغوط في كوباني. والمثير أنّ تركيا، التي هي الداعم الأساسي للمعارضة السورية، هي أيضاً توَفّر للأكراد أمنَهم الذاتي… بناءً على التزامٍ مِنهم بمراعاة استقرارها.

وحتى المنطقة العَلوية في الساحل تبدو مرتاحةً في مواجهة «جيش الفتح» الذي اجتاحَ إدلب لكنّه توقّفَ عند تخوم الساحل. وقبل ذلك، توقّفَت «داعش» عن التقدّم في محاذاة الحدود التركية – السورية، ولم تَبلغ البحر.

إذاً، الصراع العسكري في سوريا – والعراق – هو غطاء لتنفيذ عملية ترسيم موضوعة مسبَقاً على الورق… وإلّا فكيف يفسَّر صمود هذه الأقلّيات؟ وربّما سيؤدي سقوط سوريا الحاليّة، سوريا سايكس- بيكو، إلى تظهير الخريطة التي أقَرَّها الانتداب، وتضمّ: «دولة حلب»، «دولة العَلويين»، «دولة دمشق»، و«دولة جبل الدروز» التي قامت في 1921، وجرَت تسميتها في العام التالي «دولة السويداء»، ثمّ أعيدَت تسميتُها «دولة جبل الدروز» في 1927، وهي استمرَّت حتى توقيع المعاهدة السورية – الفرنسية في 1936. وعُيِّنَت حدودُها كالآتي: من الشمال أراضي دمشق، من الجنوب شرقي الأردن، من الشرق الصفا والرحبة وجبال الحارة، ومن الغرب اللجاه وسهل حوران.

وكما أنّ القوّة الإقليمية المحاذية للأكراد هي تركيا، فإسرائيل هي جارة السويداء. ومِن هنا، يقرأ المتابعون ما صدرَ عن إسرائيليين مِن دعمٍ للدروز. وهذا الدَعم فيه الخبثُ واحتمالات الابتزاز، في ضوء الكلام عن رسائل مباشَرة وغير مباشرة بين إسرائيل وبعض التكفيريين والنظام في آن معاً، حول الوضع الحدودي من جبل الشيخ والجولان إلى درعا.

ولدروز إسرائيل (120 ألفاً) مواقعُ مهمّة في الجيش هناك وفي الوزارات والأجهزة. ولطالما نادى محَلّلون إسرائيليّون بمنطقة نفوذ درزية على الحدود تكون شريطاً واقياً على طريقة منطقة «جيش لبنان الجنوبي».

ويَرفض الدروز في المطلق أيَّ تدَخُّل إسرائيلي، ويُدركون -كما مسيحيّو لبنان- مآلَ العلاقةِ بإسرائيل. ولكن، في المقابل، ماذا تفعل الأقلّية الدرزية إذا تعرّضَت للاضطهاد التكفيري، على طريقة «العَدوّ من أمامكم والبحر مِن ورائكم»؟

إنّه مأزقُ الأقلّيات الدينية المشرقية، وهو أيضاً مأزق الأكثريات العربية التي تتحكّم بمصيرها أقلّيتان: الأنظمة والتكفيريّون.

لكنّ خريطة المنطقة تتغيَّر بالتأكيد، والجميع معنيّ بالحفاظ على رأسه. فماذا سيَفعل دروز سوريا؟